اطلّعت على إستراتيجية الإسكان المرحلة الرابعة ووجدتها عرّفت مشكلة الإسكان بجميع جوانبها تعريفاً دقيقاً شاملاً، ووضَعت حلولاً إذا ما طُبّقت فإنها ستكون كفيلة بحل مشكلة الإسكان في المملكة العربية السعودية في فترة وجيزة. ومع اكتمال الإستراتيجية ومع الوعود المتكررة لتطبيقها في بداية هذا العام ثم تأجيلها إلى منتصفه ثم تأجيلها إلى أجل غير معلوم، فإننا نتساءل لماذا هذا التأجيل رغم اكتمال الإستراتيجية ورغم خطورة المشكلة والرغبة في حلها في أقرب فرصة؟ كانت بداية وزارة الإسكان بداية مشجعة ولكن بعد أن تم تأجيل إقرار الإستراتيجية وبعد حضوري للجلسة التي أقامتها وزارة الإسكان في اليوم الثاني من أيام المعرض العقاري بدأت أشك في قدرة الوزارة على حل المشكلة في المستقبل القريب مما يعني تفاقم الأزمة. وما جعلني أشك في قدرة الوزارة ليس فقط التأجيل الحاصل في إقرار الإستراتيجية ولكن النقاش الذي دار في هذه الجلسة، حيث ذكر أحد المسؤولين في الوزارة أنه لا يريد أن يخرج من هذه الجلسة إلا ومعه حل للتعاون مع المطورين العقاريين لحل أزمة السكن، وهنا أضع علامة تعجب بحجم إستراتيجية الإسكان! وأسأل الوزارة وفريق العمل، لكم أكثر من عام وأنتم تعملون مع شركة عالمية لوضع إستراتيجية وحلول لأزمة السكن وتناقشتم مع جميع المختصين والمطورين، ومع هذا ليس لديكم حلول! الأغرب من هذا أن جميع الحلول مذكورة في الإستراتيجية. إن كانت الوزارة تقصد بالحلول حلولاً لحل الأزمة الإسكانية فهذه مصيبة، وإن كان القصد حلولاً للتعاون مع المطورين فهذه أيضاً مصيبة مرتبطة بالمصيبة الأولى، وذلك لأن المطور لا يخلو أن يكون واحداً من الحالات التالية: مطور لديه أرض ولكن يحتاج إلى تمويل للبناء، ومطور لديه أرض وتمويل، والنوعان من المطورين مهما ساعدناهما في التمويل فإن المواطن لن يستطيع الشراء منهم بسبب أن الوحدة السكنية تم تقييمها على سعر الأرض الحالي وهو مرتفع جداً ولا يتناسب مع قدرة المواطن الشرائية. وحتى وإن تم إقرار نظام الرهن العقاري كما يطالب بعض تجار العقار فإنه لن يساعد إلا شريحة صغيرة في شراء مسكن ولكنه سيدخلهم في نفق مظلم من الديون بسبب ارتفاع الأسعار. النوع الثالث من المطورين والأهم وهم الأغلبية وهم من سيساهم في حل مشكلة السكن في المملكة وستكون مساهمته مساهمة فعَّالة ليس فقط في حل مشكلة السكن ولكن في مشكلة البطالة، ألا وهو المطور الذي لا يجد أرضاً ليطورها بسبب ارتفاع الأسعار. وهذا المطور كل ما يحتاج من الوزارة هو وضع أنظمة تساعد في منع الاحتكار الأراضي ليزيد المعروض من الأراضي وبالتالي خفض أسعارها ومن ثم يستطيع أن يبدأ عمله. جميع الحلول المتعلقة بأزمة الإسكان تعتمد على حل واحد وهو القضاء على احتكار الأراضي وزيادة المعروض وبالتالي تخفيض أسعارها، وأي حل غير هذا الحل سيجعل الإستراتيجية مجرد حبر على ورق ومضيعة للوقت والمال والجهد وسيفاقم الأزمة. وهذا ليس رأيي الشخصي فقط وإنما هذا ما نصت عليه الإستراتيجية.