بعد معركة الحجارة التي كانت سلاح الانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية، يخوض الفلسطينيون اليوم معركة نضالية جديدة تحت مسمى «معركة الأمعاء الخاوية في السجون الإسرائيلية». والقصة التي لا تزال في بدايتها رغم نشر بعض من المواقف النضالية الخارقة لبعض الأسرى والأسيرات، تتعلق بعشرة آلاف أسير فلسطيني يقبعون في السجون الإسرائيلية، بعضهم يخضع لأسلوب الحجز الإداري، والحجز الإداري وضع المواطن الفلسطيني في المعتقل دون صدور حكم قضائي وبلا محاكمة، وبعضهم يقضي أعواماً دون أن يعرف مصيره. الاعتقال والسجن ومعاقبة الأفراد بسلب الحريات امتهان لكرامة الإنسان، وتلجأ إليه الحكومات لإصلاح المحكوم عليهم لارتكابهم جرماً بحق المجتمع، كالقتل والسرقة، أما المعتقلون الذين تزج بهم قوات الاحتلال الإسرائيلي في السجون، فهم لم يرتكبوا جرماً جنائياً ولا حتى جنحة، إنما هم يناضلون من أجل تحرير وطنهم وإنهاء احتلال أرضهم، ولهذا فإن تسميتهم بالأسرى هو التسمية الصحيحة والتي تكسب حاملها حقوقاً تلتزم بها جميع الدول التي تحتفظ في سجونها مثل هذه الفئات التي تقع في الأسر نتيجة الحروب أو معارك التحرير وحتى الحركات النضالية التي يلجأ إليها الثوار لتحرير بلدانهم، أما سلطات الاحتلال الإسرائيلي فلا تكتفي بحرمان الأسرى من حقوقهم بل تتمادى في ذلك فتحرمهم حتى في آدميتهم وإنسانيتهم، فبالإضافة إلى وضعهم في المعتقلات لمدد طويلة دون محاكمة، فإنهم معرضون للتعذيب الجسدي والنفسي، بل إن كثيراً منهم تجرى عليهم تجارب طبية ونفسية، وتجرب على أجسادهم أدوية ومستحضرات طبية بعضها أدى إلى وفاة البعض منهم، وإلحاق الأذى في البعض الآخر بإصابتهم بأمراض مزمنة وعاهات دائمة. الممارسات الوحشية والخارجة عن كل الضوابط القانونية والإنسانية التي يتعرض لها الأسرى الفلسطينيون والتي دأبت سلطات الاحتلال الإسرائيلي القيام بها منذ وقت طويل ولم تجد من يردعها، يثور عليها الأسرى أنفسهم هذه المرة، ورغم الصمت والتجاهل حتى من وسائل الإعلام العربية إلا أن ثورة الأمعاء الخاوية التي يقوم بها الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية التي تختصرها وسائل الإعلام بوصفها بالإضراب عن الطعام، تتواصل وتتسع، ومثلما بدأت ثورة الحجارة برمي مجموعة من الأطفال حجارة على الجنود فصنعت وضعاً هزَّ صلف سلطات الاحتلال الإسرائيلي، فإن ثورة الأمعاء الخاوية ستصنع متغيراً يلوح في الأفق رغم تجاهل وصمت الجميع.