إضاءة أولى كان ذلك قبل عقدين مرّا من العمر، صحبت أصدقاء هوايتهم اصطياد الظباء والحباري بصحراء أفريقيا، لم يكن لي رغبة بقتل الغزال - رمز الجمال - فمرَّت قافلة من رجال الطوارق راحلة إلى (تمكبتو) التي لم تكن عنا بعيدة، فالتحقت بها لكي أُحظى برؤية درة أفريقيا. لذلك قلنا: * * * رحلنا مع الطوارق عبر الصحراء الكبرى نحو تمبكتو البعيدة كانوا يعتمرون عمائم زرقاء وأعين فاحمة سوداء وأكمام قمصانٍ طويلة، تضرب حتى بطون الجمال و(ترفح) عبر الهواء، لما يهمّون نجائبهم بالمسير كانت الإبل لمّا تسير على الرمل توقّع لحناً عجيباً وتضرب أعضادها (الطشت) المخصص للسقي ويصدر صوتاً رتيباً (تمبك. تو. تمبك. تو) إن تمبكتو كما أيقنت جداً بعيدة كانت الصحراء - لأول مرة في عينيَّ زرقاء عبر السراب فلا شجر أو حجر ولا طائر أشاهده في السماء الخفيضة ولا نأمة غير صوت الرياح ووقع الرمال لما، تمرّ بها الذاريات ودوامة من عجاج كثيف. * * * كانت الشمس قاب قوسين من الرأس إذ صهدتني عند ابتداء الظهيرة فألقيت رأسي فوق غزال الشداد، ونمت كما السلحفاة، مشتحلاً (بالعباءة) نمت نوماً عميقاً إذ تهدهدني برتابة إيقاعها في المسير الذلول تمبك تو. تمبك. تو. ورحت بأحلامي المزعجات السعيدة. * * * صحوت من النوم أيقنت أن تمبكتو لمّا تزال بعيدة أحسست بالعطش المرّ وكان يخجلني أن أُصرّح بالضغف بين رجال الطوارق وقد كان يتراءى لي في الذهن نهرٌ من الماء، يتدفق كالسلسبيل، عضضت على شفتيّ، وقلت: سأكمل هذا الطريق الطويل دون أن يعرف ضعفي الصحاب قلت يا حادي العيس حثّ الركاب أرى شجراً خلف تلك المفازة، بل واحة خلف تلك التلال. * * * هبطنا إلى وادي السدر، أنخنا الجمال بمقربة البئر أكلنا قليلاً من الخبز والتمر شربنا حليب النياق ملأنا القِرب تركنا بعض ما يشبع الطير والوحش والكائنات الصغيرة نهضنا بأعناق تلك المطايا وبالحيررات قُدنا الركائب نحو الشمال، فهبت علينا الزوابع من كل صوب وما عدنا نرى بعضنا وصاح بنا قائد القافلة: (اعقلوا. ثم ثنّوا، ولوذوا بين آباطها والسنام، مكثنا قليلاً إلى أن مرّت العاصفة الهوجاء عنا بسلام).