في مطلع هذا العام فقدت شقيقاً حفياً ورفيقاً وفيا إنه أخي الشيخ عبدالرحمن بن عثمان القاضي رحمه الله. وقد كان لذلك رنة حزن وأسى بللت العيون وأثارت الشجون وهيجت الذكرى وبرحت القلب وكدرت الخاطر وكيف لا وهو الخليل الصاحب والشريك المقارب والساعد والسند والعضد وحبه ساكن في سويداء القلب وعشرتي به وأنسي معه تجاوز الثمانين عاماً.. فالله كم كان لفقده من مصاب مؤلم ولأفوله من بلاء عظيم. ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي وما يبكون مثل أخي ولكن أسلي النفس عنه بالتأسي وإنه ليحضرني قول امرئ القيس في صدر معلقته: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل وقد كان نعم الحبيب. ويتردد على لساني قول النابغة الجعدي: تذكرت والذكرى تهيج على البكا ومن عادة المحزون أن يتذكرا وإنا على الفراق لمحزونون. لقد مضى على فقده عدة شهور وما زال كأنه فقيد البارحة وغيابه عن عيني الخسارة الفادحة وخلو المكان منه خلف في القلب حرقة وألما. يعز علي حين أدير عيني أفتش في مكانك لا أراك لقد كان رحمه الله عمدة في توثيق عقود الأنكحة وحجة في تثبيت أملاك الناس، كرس حياته في نفع الخلق وقضاء الحوائج، يفعل ذلك مبتغياً وجه الله والدار الآخرة، راجياً ثوابه من الله لا يريد من خلقه جزاء ولا شكورا، ولقد بقي إماماً لمسجد الجديدة ثلث قرن من الزمن مواظباً على دقة حضوره ومهتماً بإدارة شؤونه محبوباً لكل من قابله واتصل به ومن لقيه لم يرغب بمفارقته ومن فارقه عجل بالعود إليه. ولو نعطي الخيار لما افترقنا ولكن لا خيار مع الليالي إلا أن هذه الدنيا محل اختبار لا يقر لها قرار ولا يركن إليها ولا يؤمن جانبها وسبيل المؤمن فيها أن يتجمل بالصبر ويتجلل بالرضا وأن يعلم أنها أقدار ولكل أجل كتاب. ومن عاش في الدنيا فلا بد أن يرى من العيش ما يصفو وما يتكدر فرحم الله أخي رحمة واسعة وأركبه مراكب الصالحين وأوفده وفادة المقبولين ورفعه في عليين وجمعنا به في جنات النعيم اللهم آمين. محمد بن عثمان القاضي