«حتى لو ذبلت الوردة.. يبقى بعض أريجها كامنا فيها». هكذا يقول المثل المصري، كناية عن العبق الذي يبقى في مكامن الجمال، مهما جار سلطان الزمان. بذاك النسق، يبدو حال البشوت والمشالح في الأحساء، حيث شمخت البيوت الماهرة بصناعتها، لتطبق شهرتها الآفاق بمقدرات إنسانها، حتى لو جارت الآلة، كعهدها، على اليد الماهرة.. ساحبة منها الكثير من الوهج القديم. (البشت) أو العباءة، كما هو معروف، كساء مفتوح من الأمام يلبس فوق الثياب ويستعمله الرجل والمرأة على حد سواء، غير أن هناك اختلافات تميز بينهما، سواء من حيث خامة الكساء، أو من حيث الشكل التصميمي. إبداع متوارث أربعون عاما أمضاها عمار بن طاهر العمار في صناعة البشوت، ورغم عمره السبعيني يتحدث بحيوية عن بعض شؤون الصناعة الأصيلة: «البشت الجيد تستغرق صناعته بين 12 إلى 15 يوما، والمنافسة كانت حامية بين العوائل المتخصصة في هذا المجال، كما كان الصانع الماهر يحظى بالدلال حيث يحرص صاحب المعمل على إعطائه المقابل المادي الجيد ليبدع في عمله». العمار كشف عن أن البشت النجفي يكلف 2000 ريال دون قيمة الخياطة، أما سعره كاملا فيبلغ 5000 ريال، مشيرا إلى أن ابنا وحيدا من أبنائه إبراهيم سار على درب أبيه في الصنعة، متخصصا في تركيب القيطان والبرداخ. بشت الكتروني لا قِبلَ لأحد بالصمود، فطوفان الآلة لم يترك ملمحا من ملامح الحياة دون أن يترك آثاره عليه. لذلك، لجأ مالك بن عبدالله الشهاب صاحب معمل ومتجر للبشوت- لاستخدام الكمبيوتر في صناعة البشوت حفاظا على وقت الزبائن كما يقول، رغم تأكيده على أفضلية البشت اليدوي، مشيرا إلى أن للإقبال أوقاتا يزدهر فيها: «الطلب على البشوت يزداد في مواسم الأعراس والمناسبات .وأسعار بشوت الكمبيوتر تتراوح ما بين 700 إلى 1000 ريال أما البشت المصنوع يدويا فيتراوح من1500 إلى 3000 ريال، ويعمل عليه 5 أشخاص يتقاضى الواحد منهم 200 إلى 300 ريال ويستغرق عمله مابين 10الى12يوما». ماركة مسجلة والبشت الحساوي، يعد ماركة مسجلة لأسر محددة في الاحساء توارثت صناعته أبا عن جد ومنها: (أبو علي، الهلال، العليو، الحرز، البن خضر، البن شيخ، والمزيدي) فيما اشتهرت اسر (القصبي، الحريري، الخرس، البقشي، الرشيد، الماص، السماعيل، البووشل، البن علي، الشواف والعوسي) بمهاراتها متوزعة على عدة أحياء في الاحساء والهفوف منها: فريق النعاثل الشرقي، النعاثل الغربي، الرفعة الشمالي، فريق الشعبة والمقابل والسياسب بالمبرز، ولا تقتصر صناعة البشوت على الرجال فقط بل للنساء أيضا حظ منها. تطور سالب بعد أن كان العامل الماهر يحتاج أياما عديدة لصناعة بشت واحد، دخلت الآلة لتحسم عنصر الزمن في الحد الأدنى، وبدأ معها أهل الصناعة في استيراد خيوط الغزل من العراق وخوزستان الإيرانية، لتظهر بعد ذلك المشالح الملونة الشتوية المعروفة بالشمال والخفيفة الملونة المسماة بالدورقي، وقبل ذلك هاجر بعض أرباب تلك الصناعة إلى العراق وسوريا ونقلوا معهم خبراتهم ومهاراتهم، فأخذت أذواق الناس تتجه إلى المستورد، الأمر الذي كان له اثر سالب على صناعة البشوت الوطنية القديمة في الأحساء، اما محترفو هذه الصناعة فلم يعجبهم ذلك، وبدأوا التفكير في حل يعيد للإحساء شهرتها، فكان مصنع «شركة النسيح الوطنية» في عام 1383ه وهو الذي ينتج حالياً المشالح الوبرية والصوفية ذات الأحجام المختلفة والمتناسبة مع فصول السنة. أنواع متعددة ومثلما تتعدد العمليات في صناعة البشوت من خياطة يدوية، وتطريز يدوي، تتعدد أنواع البشوت أيضا، ومنها الصيفي: سويسري، نجفي، دورقي، سوبر ياباني، ياباني ديلوكس، ياباني، لندني، الربيعي، مرينة وبر ديلوكس، مرينة وبر رقم 1، ونيشن ياباني. أما الشتوي فمنه: سوبر كشمير، وبر بوشهر، وبر جبرلوكس. بشوت ملكية ويؤكد محمد بن فهد الخرس المدير العام لصناعة مشالح الخرس على أن الاحساء احتلت الصدارة في تأسيس هذه الصناعة التي تطورت في عهد المؤسس طيب الله ثراه على يد عميد الأسرة الشيخ على بن محمد الخرس، الذي توفي إلى رحمة الله عن عمر ناهز المائة عام، وقد قدم خدماته إلى جلالة الملك عبدالعزيز وأبنائه يرحمهم الله، ومن ثم تولى المسئولية فهد بن على الخرس الذي أدخل التقنية الحديثة في صناعة المشالح الملكية المتميزة ومنها (المنديلي و السوري) وبنوعيات ممتازة منها ( المربوع، والسوري وبودي, ومسبوع، ومتوسع، وبخية، وحرية) مؤكدا أن كافة مراحل الإنتاج تعتمد على عمالة وطنيه مدربة.