اشتهرت محافظة الأحساء بخياطة المشالح الأحسائية منذ القدم، وكان سابقاً يسمى بالرداء وتغير اسمه إلى «المشلح» والذي يعتبر متأصلاً في شخصية أبناء الخليج العربي على وجه العموم، ويعتبر من أهم الأزياء التقليدية، حيث إن محافظة الأحساء احتلت المركز الأول لتصدير المشلح الأحسائي وقدر حجم المبيعات بحوالي 100 مليون ريال خلال العام .. الجدير بالذكر بأن هناك العديد من المشاغل الخاصة لخياطة المشالح والتي وصل عددها ما يقارب 40 مشغلاً ، فيما يستغل ضعاف النفوس هذه التجارة الرابحة بالغش والتلاعب وذلك بتمكين بعض العمالة الأجنبية من ممارسة تلك المهنة .. يقول عمار العمار الذي عمل في مهنة الخياطة لأكثر من 40 سنة، ومن الذين مثلوا المملكة في عدة معارض دولية، في مجال صناعة المشلح الحساوي، ومن المشاركين في مهرجان الجنادرية لعدة سنوات » قيمة المشلح الآن انحدرت إلى الهاوية، وأصبحت العمالة الوافدة تسيطر عليه، وهذا بسبب تعاون بعض أصحاب المشالح في جلب العمالة وإعطائهم كافة أسرار المهنة، وإبعاد أصحابها الأصليين منها، وكل هذا من أجل زيادة الدخل وكسب المال، ولكن هناك مجموعة من أصحاب المشاغل الخاصة بالمشالح (معازيب المشالح) ما زالوا متمسكين بالأحسائيين، رغم زيادة الأجور، التي يتقاضاها الخياط الأحسائي، وكل ذلك من أجل الحفاظ على هذا الموروث العريق والأصيل، والذي خرج من الأحساء». واخر يحيك مشلح وعن مراحل حياكة المشلح يقول العمار: المشلح يمر بعدة مراحل، هي تركيب الهيلة، تركيب الثاني، بعدها تأتي السلسلة، أي السميط، والبروج والكرمك والمكسر، وتركيب القيطان، وأخيرا البردخة والتلميع وخبانة المشلح، حسب قياس الزبون.. كما يشير عمار العمار إلى أن المشلح يعمل في أسبوع تقريباً، ويمكنه أن يقوم بكافة المراحل وأحيانا ينجز العمل أكثر من 7اشخاص تقريبا، ولكن يكون العمل مملا ومتعبا. من جانبه دعا علي حسن المهدي نائب مدير مجموعة المهدي - أكبر المصدرين للمشالح الأحسائية على مستوى دول الخليج - بضرورة إنشاء معهد متخصص في صناعة المشالح في السعودية للتمكن من تدريب الشباب السعودي على امتهان خياطة المشلح والذي يعتبر مهنة الأجداد وتراثاً لا بد المحافظة عليها.. وأضاف « قمنا بالتركيز على توفير الأيدي العاملة وكلهم أحسائيون، رغم ما يتقاضونه إلا أن ذلك أفضل من توفير العمالة الأجنبية لتمتهن مهنة خياطة المشالح» . وأعرب عن استعداده لفكرة إنشاء معهد متخصص لصناعة المشالح الأحسائية ليمكن الحفاظ على التراث العريق على مستوى المملكة ودول الخليج العربي . وأشار إلى أن حجم استثمار المشالح في السعودية يزيد على ملياري ريال، وحصة المشالح الوطنية في السعودية ما يقارب 70٪ بينما يشكل المستورد من بعض الدول العربية 30٪. . وذكر ان هناك مصنعاً للمشالح في الأحساء خاصاً بمجموعة المهدي ويعمل به أكثر من 300 سعودي في مختلف التخصصات، ويأتي ذلك لتوطين الخبرة في الأحساء التي أكسبت المصنعية الجودة والنقاء والسمعة الجيدة. وبين أن أغلى مشلح يتراوح سعره بين 5000 و6000 ريال وهناك أنواع أخرى أقل جودة وتتراوح الأسعار بين 2000 3000 ريال ، وبالنسبة للزبائن أكد المهدي بأن هناك العديد من الطلبات لأصحاب السمو الملكي الأمراء وأصحاب المعالي الوزراء والكثير من كبار الشخصيات على مستوى الخليج، وقال» هذا بالطبع مفخرة لنا ولمحافظة الأحساء على وجه الخصوص لاختيار المشلح الأحسائي عن غيره» . وفي السياق ذاته طالب عدد من المستثمرين في المشالح في الأحساء بتحرك الجهات المسؤولة للحد من الغش التجاري في صناعة المشالح الأحسائية والتي قد تؤدي بالضرر والخسائر بالمستثمرين في حال استمرارها، مؤكدين على أن تقوم تلك الجهات بوضع معايير مناسبة ومتفق عليها لضبط جودة المنتج . من جهته قال علي محمد القطان - تاجر مشالح - إن عمليات الغش التجاري في المشالح ساهمت بشكل واضح في هبوط الأسعار إلى مستويات متدنية، لافتاً إلى أن العمالة الوافدة كان لها دورها في ضعف جودة الإنتاج لقلة خبرتها إذا ما قورنت بالعمالة المحلية «الأحسائية» ذات الخبرة الطويلة باعتبارها المهنة المتوارثة من الآباء والأجداد على مر السنوات . وأضاف بأن سعر المشلح الأحسائي يصل إلى أكثر من 8000 ريال تبعاً لجودة المشلح، مشيراً إلى أن أسعار المشالح كغيرها من السلع المتداولة في الأسواق بشكل عام فهي خاضعة لقانون العرض والطلب بالإضافة إلى تأثرها بقيمة صرف العملات الدولية باعتبار أن بعض المواد المستخدمة في صناعة المشالح تستورد من خارج السعودية . أما الخيوط المذهبة فيقول عنها تاجر مشالح «جاسم المتمتمي» تستورد من إنجلترا وسويسرا ولها درجات أيضا، وتحتاج إلى مهارة الشغل ومهارة اليد وهذا ما يمتاز به بعض أبناء الأحساء المشتغلين بهذه المهنة والمورثة لهم من آبائهم وأجدادهم، وهم قلة الآن، لارتفاع أجورهم أولا، ومنافسة العمالة الأجنبية الدخيلة لهم. وحول العمالة الأجنبية يقول تاجر المشالح «عبد الله بن محمد القطان » العمالة الأجنبية أفسدت مهارة الصنعة، فيوجد الآن من يشتري مشالح يصنعها الهنود، ويضعون عليها دمغة بأسمائهم كمنتجين، لتباع بأسعار منافسة، تضر بالصناعة بشكل عام، فالأيدي الماهرة تختفي، والجودة أيضا تتراجع، لذلك نحن نطالب الجهات المعنية، سواء وزارة التجارة أو الغرفة التجارية، بوضع حل يعالج الوضع الذي تواجهه صناعتنا العريقة والأصيلة . وتحدث القطان عن المشالح المشغولة يدويا، قائلاً عندما أتحدث عن المشلح أعني رقعة القماش والمكسر المذهب فيه، فجودة المشلح تكمن في نوعية القماش (إنجليزي أو حساوي أو نجفي)، فإلى جانب مصنع أقمشة المشالح في الأحساء، الذي ينتج أقمشة عالية الجودة، لا يزال في الأحساء من يصنع الأقمشة بطريقة يدوية، مستخدما وبر الأغنام وصوفها وألوان الصباغة الطبيعية، وتتميز هذه الأقمشة بالجودة العالية وارتفاع الثمن، كذلك توجد أقمشة نحيفة، وهي الخفيفة وكذلك الإنجليزية. كما يقترح ياسين القضيب وضع (شيخ) لصناعة المشالح، يستطيع ان يقوم بحصر العاملين في هذه المهنة، ووضع ضوابط للمشتغلين فيها، ومراقبة العمالة الوافدة غير النظامية والتي تعمل في الخفاء في هذه المهنة. ويرى القضيب أن من المهم جدا في هذه الفترة وضع مواصفات سعودية خاصة بالمشالح وصناعتها، وتعميم هذه المواصفات على كافة المنتجين، كحماية لهذا الزي التقليدي الهام، ودعم مستويات الإنتاج، ويقترح أيضا عمل معهد خاص لتعليم خياطة المشالح، لتخريج كوادر تواصل العمل في هذه الحرفة المتنامية، التي هي أيضا مصدر دخل جيد للعاملين فيها. يقول: يمكن افتتاح هذا القسم في معاهد التعليم الفني والتدريب المهني، ومن الممكن كذلك تعليم الفتيات هذه الحرفة حفاظا على توطينها، بعدما لاحظنا كثيرا من الأجانب الدخلاء على هذه المهنة، مما اضر بسوقها. ويقول عبدالله بن عبدالله القطان :إن خياطة المشالح ليست عملاً سهلاً فمن خلال تجربتي وجدت نفسي بحاجة الى ثلاث سنوات وتحت أشراف معلم حتى أتقن حرفة خياطة المشالح تعلمت المهنة منذ زمن بعيد وتعلمت الكثير من انواع الخياطة وهذا الفضل يرجع الى الله اولاً ثم الى والدي الذي صحبني معه الى عدد من الدول منذ نصف قرن تقريباً وانا لم اتجاوز السادسة من عمري وتعلمت في البداية على قطعة قماش صغيرة لما لها من دور فعال لتعلمي مهنة خياطة المشالح الاحسائية المميزة. اما سعد بن ناصر المري يقول انا قادم من دولة الامارات لكي اشتري من اسواق المشالح الرجالية بعض المشالح لكي اقوم بالتجارة بها في الامارات لان عندنا يفضلون العمل الاحسائي لما عرف عنه منذ القدم ولي معارف كثيرون في محافظة الاحساء مما يساعدني على إرشادي الى النوعيات الأفضل والأسعار المناسبة حيث اشتري البشت بالفين وابيعه في الامارات ما يقارب الثلاثة آلاف درهم أو أكثر، وهكذا تطورت تجارتي وكل هذا بفضل من الله ثم بجهود الايدي الاحسائية وعندي الآن خمسة محلات لبيع المشالح ويقول ان اكثر شيوخ الإمارات يطلبون من تفصيل مشلح لهم من الأحساء وخصوصاً من الصوف الاحسائي 100٪ قطن والآن افكر بان افتح العديد من المحلات لزيادة الزبائن. عبدالهادي بن راشد المري أحد المسؤولين بمحافظة الأحساء يقول إن هناك العديد من كبار الشخصيات خارج المحافظة التي تأتي لمحافظة الأحساء خصيصاً لشراء المشلح الأحسائي لأسباب عدة لما عرف عن جودة المشلح والدقة في الصنع، والسبب الآخر تمسك الأحسائيين لهذه المهنة العريقة والتي تعتبر تراث السعودية ودول الخليج العربي على وجه العموم . الشاب هاني داود المغلوث من أهالي محافظة الأحساء والذي دخل في القفص الذهبي منذ فترة قصيرة يقول : عندما أردت الزواج ذهبت لعدد من المشاغل المتمكنة في صناعة المشالح إلا إنني تفاجأت بالعمالة التي تمتهن تلك المهنة أغلبها من الجنسية الأجنبية، والذي قلت بأني لن ألبس المشلح يوم زواجي إلا من الصناعة الأحسائية والتي عرف عنه بالجودة وإتقانه بالشكل الصحيح . ويقول داود بوحسن من مواليد محافظة الاحساء لقد تعلمت خياطة المشالح من والدي رحمه الله قبل سبعين سنة تقريباً كنت في كل يوم اذهب معه الى المشغل للخياطة مع اشخاص كبار السن كانوا يشتغلون عند والدي وبعد ذلك عرفت الكثير عن شؤون الخياطة وانواعها وعملت في بدايتي في تركيب الزري والتبردخ وغيرها وفي السابق لم نجد مشكلة في الخياطة الا في وقتنا الحاضر لكثرة العمالة الاجنبية وأجد هذه المهنة رابحة بفضل من الله لانني منذ زمن بعيد وانا امارس خياطة المشالح ورزقني الله من فضله وفتحت الكثير من المشاغل الخاصة لخياطة المشالح ولي زبائن يأتون خصيصاً لشراء الكثير من المشالح من داخل المملكة ودول الخليج وكثير من الاشخاص يأتون من اماكن بعيدة انا لم اعرفهم من قبل وهم يعرفونني منذ زمن بعيد والان شهرتي تعدت الخليج في شغل المشالح الملكية والعادية اما نوعية القماش المستخدم في المشالح نقوم باستيراده من بعض الدول العربية ومنها سوريا والعراق وهذا في الزمن الماضي اما في الوقت الحاضر فالصناعة محلية 100٪ ووطنية من حيث الجودة والاناقة . عبدالله الأمير واحد من تجار المشالح وهو ممن ينتمون إلى واحدة من العوائل القديمة في صناعة المشالح، يقول: المشالح متميزة بحكم مكانتها الرسمية في الزي السعودي، فالذوق العام أوجب التجديد وتعدد الألوان، وساعدت القدرة الشرائية في تنامي الطلب على المشالح، وتوسط أسعارها أيضا، رغم أن هناك من يبالغ في سعر المشلح، ليصل به إلى 4 آلاف و5 آلاف ريال، إلا أن متوسط سعر المشلح الممتاز يتراوح بين 1500 إلى 4000 ريال. وعن العوائل التي تشتهر بعمل المشالح يقول عبدالأمير معتوق السعيد هي : البوجبارة، والأمير، البوحليقة، القطان، البوخضر، الحرز، المهدي، الباذر، الخرس، البقشي، العمار وهناك عوائل كثيرة لا أتذكرها الآن. وأضاف السعيد إلى أن وسائل الغش التجاري في المشالح عديدة لا يكشفها إلا ذوو الخبرة في مجال المشالح، مؤكداً على الزبائن بضرورة التعامل مع المشاغل المعروفة بجودتها والمعتمدة في أسواق المشالح الأحسائية. ولفت إلى أن بعض الزبائن يقبلون على شراء المشالح ذات الأسعار الرخيصة دون النظر إلى الجودة الأمر الذي فتح لضعاف النفوس من الباعة مجالاً للتلاعب والغش وتدني مستوى الجودة في مشغولاتهم .