أكَّد فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد أن على الدولة في الإسلام مسؤوليتها في تهيئة فرص العمل وطرق المعاش وإيجاد الوسائل والتجهيزات والإعدادات وأن وظيفة الدولة في دين الإسلام وظيفة إيجابية واسعة شاملة، وظيفتها حماية الذين يملكون والذين لا يملكون، والمجتمع في نظر الإسلام مترابط متماسك.. جسد واحد. العلاقة بين أفراده ومؤسساته ليست علاقة إنتاج أو علاقة عقد وطلب، إنها أعمق من ذلك وأقوى، إنها علاقة عقيدة وفكر وعاطفة ووحدة نظام وشريعة وجسد واحد، يمد ويستمد وينفع وينتفع والدولة هي رأس المجتمع وجهازه الذي يرعى هذا الترابط ويحافظ عليه ويصونه ويؤكد لحمته ويرعى ثمرته. وأن الدولة تحقق العدل وتدعو إلى الخير وتتخذ من الأساليب والوسائل والإجراءات ما يعالج الفقر ويخفف آثاره ويضمن العيش الكريم لكل محتاج ويحقق التكافل بين المجتمع وهي وسائل وأساليب وإجراءات تختلف باختلاف الأزمنة والبيئات والأحوال والنوازل والمستجدات والموارد. للاجتهاد وحسن السياسات والإدارات بهذا مدخل واسع من الإعداد والتدريب والتوجيه مع الأجر العادل وتشجيع المحسن ومكافأته ومجازاة المسيء ومعاقبته في سياسات تصون ثروات الأمة وتزيد في إنتاجها وتحسن مستوى خدماتها وتحفظ طاقاتها وتقدر جهود أبنائها في مواهبهم وقدراتهم وكفاءاتهم ومؤهلاتهم في بناء حضاري وإدارة منظمة وسياسات محكمة عمارة للأرض وتطبيقًا للشرع وتوظيفًا للطاقات في توازن بين حقوق الإِنسان وواجباته. وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها يوم أمس بالمسجد الحرام: إن ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله وأعزه وأمد في عمره على طاعته- فقد جعل الإصلاح شعار حكمه وكان من أحد معالم مسيرته الإصلاحية المظفرة تفقده لبعض أحياء الفقراء ومساكنهم ليقف على صور المعاناة، ثم اتبع ذلك بقرارات وسياسات وإنشاء مؤسسات تتولى معالجة ذلك وأصدر توجيهاته لرجال الدولة لتنفيذ ذلك ومتابعته. كما أكَّد أن الحياة الإسلامية بمناشطها وأعمالها ووظائفها هي حياة نظيفة نزيهة لا تقر العبث ولا تسمح بالفساد والتحلل وصرف المال والطاقات فيما لا يحل لا ليلاً ولا نهارًا، لا في لهو ولا مجون وسوء استغلال. وأفاد أن قضية الفقر قضية مألوفة وظاهرة في المجتمعات معروفة، مشكلة في جميع الأمم والاعصار والحضارات مسألة لا يخلو منها مجتمع ولا تنفك منها دولة مهما بلغ تقدمها وثراؤها وحسن إدارتها وسياساتها مشكلة ذات أبعاد اجتماعية وإمدادات سلوكية وجودها في أمة أو دولة ليس مثلبة ولا عيبًا ولكن نسيان ذلك وإهماله أو عدم النظر في أسبابه والسعي في علاجه هو المعيب وفيه مسؤولية.ذلكم هو الفقر والفقراء، لقد عرفت البشرية الفقر منذ أزمان التاريخ التطاولية وأعصاره المتعاقبة وحاولت البشرية في مسيرتها الطويلة بمللها ومذاهبها ومفكريها وأنظمتها أن تحل مشكلة الفقر وتخفف من معاناة الفقراء بالترغيب والتهريب تارة وبالمواعظ والوصايا تارة وبالتنظير والمثاليات تارة وأحيانًا بمبادئ متطرفة ذات اليمين أو ذات اليسار. ذلكم بما أثاره ويثيره هدامون من الإثارات والنعرات المذهبية، بل إن المبادئ الهدامة والتوجهات السيئة تبني أوكارها وتقيم أفكارها في ربوع الفقر والحرمان والضياع. هذا بعض التصور والتصوير. أما في دين الإسلام دين العقيدة والشريعة والعبادة والمعاملة والدين والدولة. دين تبيان كل شيء. الدين الذي يخرج الناس من الظلمات إلى النور ومن الظلم إلى العدل ومن الفقر إلى الغناء. الدين الذي يصلح الدنيا بالدين. وقال فضيلته: من رواسخ ديننا وثوابته أن لكل مشكلة حلاً ولكل داء دواءً فالذي خلق الداء خلق الدواء ومن قدر المرض قدر العلاج، فالمرض بقدر الله والعلاج والشفاء بقدر الله. وإذاكان الفقر قدرًا وبلاءًَ فإن مقاومته والسعي في الخلاص منه قدر وعلاج كذلك. الإسلام أقر حقوق الفقراء وضمنها وحفظها وحماها ووجه بالدفاع عنها منذ أكثر من 14 قرنًا. صيانةً للمجتمع وحفظًا للأسر وإشاعةً لروح الإخاء وسلامة للدين واستقامة للخلق. وأبان فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام أن الفقر في نظر الإسلام بلاء ومصيبة تعوذ منها ووجه بالسعي للتخلص منها، ليس في مدح الفقراء آية في كتاب الله ولا حديث صريح في سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل لقد استعاذ النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من الفقر وجعله قرينًا للكفر.. اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر.. اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقلة والذلة وأعوذ بك أن اظلم أو اظلم. وعمر رضي الله عنه يقول: لو كان الفقر رجلاً لقتلته. ونبه القرآن الكريم إلى أن الجوع عذاب ساقه الله إلى بعض الأمم الكافرة بنعمه. وفي المقابل فقد امتن الله على قريش بأن أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف. وفي المقابل كذلك فإن الغنى نعمة يمنّ الله بها على من يشاء من عباده، بل فقد امتن الله بذلك على حبيبه وخليله محمد صلّى الله عليه وسلّم، فقال عزَّ شأنه، ووجدك عائلاً فأغنى. وقال فضيلته: إذا كان الأمر كذلك فإن الفقر نعوذ بالله منه حال يكون معها المرء عاجزًا عن تلبية حاجاته من الغذاء والكساء والدواء والسكن والتعليم وفرص العمل. الفقر عدم الدخل أو نقص فيه يعجز معه الفقير عن تحقيق متطلباته من العيش اللائق بكرامة وحسن رعاية في حالة الفقر لا يستطيع الفقير القيام بمناشط الحياة وحيويتها ومن ثم تبرز صور من انتشار الأمراض وسوء التغذية والوفيات ونقص التعليم وقلة فرصه واستخدام الأطفال. من حق الفقير أن يتهيأ له مستوى من المعيشة ملائم لحاله تعينه على أداء فرائض الله وأعباء الحياة ويقيه من الفاقة والحرمان. وأفاد فضيلته أن أول ما يتوجه إليه النظر في حل هذه المشكلة وعلاجها وتقليل أثرها مما تؤكده توجيهات ديننا هو مطالبة كل مسلم قادر بالعمل كما لا بد من إيجاد فرص العمل فالعمل هو الوسيلة الأولى والسلاح الوضاء بإذن الله للقضاء على هذه المشكلة. العمل بتوفيق الله هو جالب المال وعامر الأرض، العمل أساس الاقتصاد والإنتاج والغنى والعفاف والكفاف والثراء. العمل مجهود شرعي كريم يقوم به العبد من عباد الله ليعمر أرض الله. إن ديننا يقرر ويؤكد أن الله خلق الأرض وبارك فيها وقدر فيها أقواتها وأودع في ظهرها وفي بطنها البركات والخيرات ما يكفي جميع عباد الله عيشًا هنيئًا. وفي توجيهات الإسلام أن هذه الخيرات والبركات والأرزاق لا تنال إلا بجهد يبذل وعمل يؤدى وسعي دءوب. فمن سعى وانتشر في الأرض وضرب في أرجائها مبتغيًا فضل الله ورزقه فإنه أهل لنواله ومن قعد وتكاسل وتمنى الأماني كان جديرا بأن يحرم لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير.