وأخيرا بعدما تمكن كوفي عنان من الاجتماع بالأسد أخذ يحذر من التدخل الخارجي في سوريا، لماذا؟ الخوف من سقوط الأسد، فمن يأتي بعده؟ وهنالك من يتوقع حدوث حمامات دم، ولكن الآن ماذا عن الوضع الحالي في سوريا؟ أليست غارقة في حمامات دم؟ ويقولون إن قوة سوريا العسكرية هي أكثر بخمس مرات مقارنة بليبيا. وبعبارة أخرى إن أية ضربات جوية سينتج عنها المزيد من الضحايا من المدنيين. أما من سقط اليوم فقط من الضحايا المدنيين فقد بلغ 6200، كما يزداد عدد اللاجئين الى تركيا يوما بعد آخر، ويقدر إجمالي عدد اللاجئين السوريين بحواي240 ألفا، والحالة تسوء دونما خطة لإيقاف المآسي وحمامات الدم في معظم المدن السورية في طول البلاد وعرضها. وهاكموا كوفي عنان يتوسط بالنسبة للقضية السورية بعد أكثر من سنة، وسوريا لا تزال تنزف ولا نزال نتحدث عن توسط. يأتي التقتيل والاعتداءات من طرف واحد، يأتي من جانب واحد من «الحكومة» من «السلطة»، المتوحدة بكل شيء. والذين يقولون بعدم التدخل وأن قوة سوريا لا تقارن بغيرها، هذه مبررات فقط، كما يستخدم التخويف من القاعدة كمبرر لعدم التدخل. أما الوضع العالمي ففي صالح السلطة السورية: تخوض أمريكا معارك انتخابية وليس لديها استعداد لخوض معارك عسكرية، أضف أن لتوها خارجة من العراق، أو على وشك، ولا تزال متورطة في أفغانستان، وموقف كل من الصين وروسيا، المتعاطفتان مع النظام السوري، طبعا لمصالحهما، أضف إلى كل هذا تحالف سوريا مع الدولة الفارسية، وموقع سوريا الجغرافي مهم في المنطقة بحكم مركزيتها وعلاقة ذلك بجيوإستراتيجيتها. أما التأييد التركي للحركة الشعبية السورية فلا يكفي، إذ عانت تركيا من اللاجئين من العراق، ودور تركيا مهم بالنسبة للوضع سوريا بقدر محدود. وإذا لم تقد أمريكا تحالفا ضد النظام السوري فلن يحدث شيء، وقد يتعقد الأمر أكثر إن انتقل الصراع إلى دولتين مجاورتين: لبنان والأردن. أما مكين، السنتور الجمهوري، فيحاول الدفع بالإدارة الأمريكية للتدخل، فهل ذلك بناء على مبدأ إنساني أو سياسي؟ الكثير من أعضاء الكونجرس الأمريكي لا يؤيدون الضربات الجوية على سوريا من قبل الولاياتالمتحدة، على الرغم من تقديرهم لوجهة نظر مكين، والكثير لا يودون أن تتورط أمريكا في معركة دولية وهي تخوض معارك انتخابية. ألا يمكن أن تطرد سوريا من الأممالمتحدة؟ البعض لا يرى حدوث ذلك نظرا لأن ما يحصل ليس بين دولة وأخرى ولكنه اعتداء على شعب الدولة نفسها، ودول، مثل الهند والبرازيل، لا يعنيهم النواحي الإنسانية داخل الدولة. والغرب يؤجج الصراعات في الشرق الأوسط ويستثمرها لصالحه، إلا أنها صراعات قد ينتج عنها إعادة رسم خارطة «شرق-أوسطية» جديدة. وما يسمى ب «الربيع العربي» ما هو إلا إرهاصات للتغير المقبل للشرق الأوسط الذي يسميه الغرب «الشرق الأوسط الجديد». ولنا أن نتخيل شكل هذا الشرق الأوسط الذي قد لا يغير الخارطة «الشرق-أوسطية» من حيث الحدود السياسية ما بين الدول بقدر ما يكون تغيرا في التكتلات والتحالفات التي قد تبرز في الساحة «الشرق-أوسطية» والعربية: «التحالف الإيراني-العراقي»، «تحالف تركي-عربي»، قد يشمل سوريا ولبنان، وتحالف لدول شبه الجزيرة العربية ويشمل ذلك دول مجلس التعاون والأردن وتحالف ذو طابع إسلامي يشمل مصر وليبيا وتونس وما تبقى من السودان.