سأعيدكم إلى الوراء قليلاً، وأذكركم بالتقرير الذي نشرته مجلة الساينس الأمريكية في 9-12-2011 عن الجامعات السعودية بعنوان «الجامعات السعودية تشتري السمعة الأكاديمية»، وهو تقرير كتبه السيد باثاشرجي، وفيه بعض المزاعم التي أثارت جدلاً واسعاً في الشارع السعودي حينها، وكان المؤلم في الأمر أن من سعى إلى نشر ما ورد في التقرير على أوسع نطاق، وروج له هو بعض منسوبي جامعة الملك سعود البارزين، وحينها تصدى مجموعة من الكتاب ومنسوبي الجامعات للتقرير، وفندوا كثيرا مما ورد فيه، ثم اعتقدنا أن الموضوع انتهى عند هذا الحد. لا، الأمر لم ينتهِ بعد، فسياسة مجلة الساينس العلمية أنها تعطي مهلة لمدة ثلاثة أشهر لمن يرغب في التفاعل مع ما تنشره، إما بالاعتراض أو طلب التصحيح لمعلومات وبيانات تم نشرها، ثم بعد ذلك تنقح تلك الردود وتتأكد من صحتها وتحللها، كما تمنح الكاتب أو معد التقرير فرصة للتأكد من البيانات والتصحيح إن لزم الأمر، فما الذي حصل مع التقرير الذي نشرته عن الجامعات السعودية؟! لقد نشرت المجلة ملحقاً كاملاً بتاريخ 2 مارس 2012، أعده المحرران كولين نورمان وجينيفر سيلز، وقد أشارا في البداية إلى أنه ورد إلى هذه المجلة العلمية المرموقة أكثر من 120 تعليقاً حول التقرير الأصلي، الذي يتهم الجامعات السعودية بشراء السمعة الأكاديمية، وهو -حسب علمي- الأكبر في تاريخ هذه المطبوعة العريقة، ثم قال المحرران نصاً: «إن هذه التعليقات تشمل مجالاً واسعاً من الآراء الحساسة التي تتعلق بمستقبل العلوم في المملكة العربية السعودية والإقليم عموماً»، وهذه ملاحظة ذات أهمية ومغزى من قبل المحررين، والدليل على ذلك أنهما وضعا رابطاً، وطلبا من القراء أن يطلعوا على كل هذه التعليقات التي لم يتمكنا إلا من نشر جزء يسير منها في الملحق، إذ إنهما نشرا أربعة ردود كاملة فقط. وبعد الاطلاع على التعليقات المذكورة، اتضح أن كثيراً منها ورد من علماء وباحثين يعملون بأبحاث مشتركة مع منسوبي جامعة الملك سعود، كما تبين أن معظمها يدحض ما جاء في المقالة الأصلية، التي اتهمت الجامعات السعودية بشراء السمعة الأكاديمية، إذ إن ما نسبته أكثر من 80% كان يتحدث بإيجابية عما قامت به جامعة الملك سعود تحديداً. أيضا فإن المجلة قد نشرت رد جامعة الملك سعود كاملاً، وهو الرد الذي كتبه الدكتور عبدالعزيز الخضيري، الذي فند بالأدلة والبراهين القاطعة كل ما ورد من اتهامات للجامعة في المقالة الأصلية. اللافت في الأمر هو أن العادة جرت على أن يعطى محرر التقرير الأصلي الفرصة للتعقيب على الردود التي ترد إلى المطبوعة بعد نشر التقارير، خصوصاً الهامة منها، وفي هذه الحالة لم تعط مجلة الساينس العريقة الفرصة للمحرر باتاشارجي -الذي كتب التقرير الأصلي عن شراء الجامعات السعودية للسمعة- للرد والتعقيب، فما هي يا ترى دلالة ذلك؟! سنحاول الإجابة يوم الاثنين المقبل إن شاء الله.