استطلاع وتحقيق - محمد آل داهم / تصوير - عبير الخالد: رغم أن تفاوت أسعار السلع من الميزات الرئيسة لضمان حرية الأسواق، وهو مبدأ تفرضه التنافسية بين الشركات المنتجة لها، إلا أن ما يحصل لبعض المنتجات الاستهلاكية في السوق السعودية، يؤكد أن لكل سوق عوامل خاصة به قد تؤثر على ارتفاع الأسعار وانخفاضها رغم تطبيق المستهلك المجتهد لنظريات العرض والطلب. المستهلك السعودي يواجه تقلبات سريعة في أسعار السلع خلال السنتين الماضيتين، وهو أمر يضطره لتغيير سلوكياته في الشراء بما يتواءم مع الحاجات المتغيرة للشراء، لذلك فإن «الجزيرة» قررت فتح ملف أسعار السلع الأساسية، لتتناول كل أسبوع سلعة أساسية معينة، في محاولة لفهم سلوك المستهلك والسلعة، وتحديد كل الجوانب المتعلقة بتفاوت الأسعار تحديداً لكل سلعة. وتقوم الفكرة أساساً على رصد ميداني لأكبر مراكز بيع السلع الاستهلاكية خلال الأسبوع، بحيث يتم تسجيل الأسعار من كل سلعة بالوقوف عليها في رف البيع، وتصوير الباركود الخاص بسعرها لتوثيق المعلومات للقراء الكرام، والتواصل مع المختصين الاقتصاديين لتبيان الأسباب المحتملة لاختلاف سعر أي سلعة في حال التفاوت، كما سيكون اليوم مع حلقتنا الأولى في ملف السلع الاستهلاكية، الذي سيتناول سلعة تعد مهمة في قائمة الفرد السعودي الاستهلاكية. يتبادر إلى ذهن المستهلك العادي أن أسعار البيض لوهلة قد لا تختلف كثيراً عمَّا تعود صرفه من الريالات على طبق البيض، هذه النظرة العادية قد تُرسم بسبب عادة الاستهلاك من مركز تجاري واحد، والمراكز التجارية تنتظم باستيراد سلع معينة من شركة واحدة للمنتج، وإن زادت فإنها تنتظم باستيراد منتجين لشركتين اثنتين فقط، هذه الطريقة التسويقية متعارف عليها بين المراكز التجارية الكبرى والشركات المتنافسة ذات المنتجات المتشابهة، إلى درجة أن بعضها قد يوقع عقود تسويق لحصرية التوزيع، إذ إنها تفيد الشركة المنتجة من جهة حصرية التوزيع في هذا المكان وإبقاء المنافس بعيداً عن خيارات متسوق هذا المركز، ومن جهة مراكز التسويق فإنها تحصل على أسعار منافسة تزيد بها ربحيتها من هذا المُنتج. هذه الحيل التسويقية التي تلجأ لها بعض مراكز التسويق والشركات المنتجة قد توهم بعض المستهلكين أن سعر هذا المنتج أو ذاك لا يحظى بنسب تغيير كبيرة تستحق، بينما الحقيقة التي تعتمد على حصر علمي للمنتجات بمختلف أنواعها وأماكن بيعها يؤكد لنا أن سلعة أساسية مثل البيض قد يختلف سعرها في مدينة واحدة مثل الرياض إلى 50%! حصر ميداني في جولة ميدانية على عدد من مراكز البيع الكبرى في الرياض، رصدت «الجزيرة» تفاوتاً شاسعاً في أسعار البيض باختلاف الشركات المنتجة ومراكز البيع، حيث حصلنا على سعر طبق البيض الواحد الذي يحتوي على 30 بيضة ب 9.50 ريال، وحصلنا أيضاً على أسعار أخرى في مراكز أخرى ب 15.50 ريالاً، بين هاتين القيمتين السعريتين تفاوتت أسعار البيض من مركز إلى آخر، وحصرنا المعلومات التي حصلنا عليها من خلال جدول نعرضه عليكم في هذه الصفحة. استمرت جولة «الجزيرة» من يوم السبت الموافق 25 فبراير وحتى الخميس الذي وافق أول أيام مارس الحالي، وشملت عدداً كبيراً من مراكز التسويق الكبرى في مختلف أحياء الرياض، ولم يلاحظ خلال الجولة أي ملمح من ملامح الندرة للسلعة، ما يعني أن الطلب والعرض عوامل لم يكن لها تأثير على السلعة. الدعم الحكومي هذه التفاوت الكبير نسبياً عندما يتعلق الأمر بسعر سلعة مثل البيض، حين يصل إلى 50 في المائة في مدينة واحدة فقط كالرياض، فإن هذا الأمر يطرح تساؤلات كبيرة عن الإجراءات الحكومية والتدابير التي يمكن أن تتخذها وزارة التجارة لمنع هذا التفاوت الكبير من التلاعب بالمستهلك. البيض منتج حيواني يخضع لمدخلات معينة كالتي تسري على المنتجات الحيوانية، ومنها أسعار المواد الخام للصناعة مثل الأعلاف، وقد كانت الحكومة قد دعمت هذه المواد حرصاً على مصلحة المواطن بتوقع خفض أسعار منتجات الصناعة مثل الدواجن والبيض والألبان عند دعم مدخلاتها الخام، وهو ما تم بقرار ملكي من خادم الحرمين الشريفين أمر بزيادة دعم الأعلاف ومدخلاتها بنسبة 50% عما هو معمول به سابقاً. وفي الحين الذي توقع به اقتصاديون وخبراء في المجال انخفاض الأسعار نتيجة لهذا القرار على الأقل بما يصل إلى 50 % وهي النسبة المكافئة لهذا التخفيض في مدخلات المواد الخام للصناعة، إلا أن ذلك لم يحدث حتى الآن للأسف. عوامل أخرى تعاني بعض الدول المجاورة من زيادة في أسعار البيض، وليس تفاوتاً في الأسعار وهناك فارق كبير بين المعنيين، فالأول يعني أن عوامل العرض والطلب قد أدت إلى الارتفاع كما حصل في الإمارات الشهر الماضي حين وصل سعر طبق البيض كبير الحجم إلى 17 درهماً (18 ريالاً)، أو قد تتعرض الأسعار إلى هزة الإنتاج بسبب الأوضاع الاقتصادية والسياسية في بلد ما مما يعرضها إلى الارتفاع كما في مصر حالياً، حيث وصل سعر الطبق كبير الحجم في فبراير الماضي إلى 16 جنيهاً حسب الاتحاد العام لمنتجي الدواجن في مصر، وهو ما يعادل 11 ريالاً سعودياً. إلا أن تلك العوامل المؤثّرة هنا وهناك لا تنطبق أبداً على السوق السعودي الذي يعتبر من أكثر الأسواق أماناً في العالم، إضافة إلى أن مشاريع الدواجن في المملكة قد وصلت بالصناعة إلى حد الاكتفاء الذاتي، ما يعني وفرة وتنافسية تسمح للأسعار بالهبوط لا العكس! عوامل خاصة ما يخص السلعة محل استطلاعنا هذا الأسبوع (البيض)، فإن عامل غلاء المواد الخام على الشركات غير مؤثر في ظل الدعم الحكومي سالف الذكر، كما سبق أن تحدثنا عن عامل العرض والطلب وكيف أن لا مجال لندرة من خلال وفرة المعروض في مراكز التسويق خلال جولة «الجزيرة» الميدانية. إذن ما هو سر تفاوت أسعار البيض؟ وهل للأفكار التسويقية الخاصة بالشركات والمراكز التسويق علاقة مباشرة بالقيمة المتفاوتة؟ «الجزيرة» نقلت أسئلتها لعدد من المختصين الذين حاولوا مساعدتنا بإجابة منطقية، تساعد المستهلك على خلط كل ما قدمناه للخروج برؤيته الخاصة عما يمكن أن يرفع من وعيه الاستهلاكي، للتعامل مع هذه المتغيرات بكم أكبر من المعرفة، وهو الهدف الرئيس لطرحنا مثل هذه المواضيع أسبوعياً بإذن الله.