مهرجان الجنادرية أصبح يمثل لنا حدثاً جميلاً ننتظره ونتشوق إليه كل عام، فهو يجمع بين أصالة الماضي وروعة الحاضر، تمتزج فيه الفنون التراثية والعادات والتقاليد القديمة مع حاضرنا الذي نعيشه الآن، ومهرجان الجنادرية يحمل في طياته كثيراً من المعاني الجميلة التي نفتخر بها؛ فهو ينقل لنا صوراً جميلة عن تراثنا القديم الذي عاشه آباؤنا وأجدادنا من قبل. الجنادرية هذه السنة افتتحت من دون أوبريت بناء على توجيهات من خادم الحرمين الشريفين تضامناً مع الشعب السوري الذي يعاني من اضطهاد وقتل وتشريد من قبل النظام السوري الجائر، وهذه اللفتة الكريمة ليست بمستغربة من خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - الذي يحمل في قلبه هموم المسلمين كافة. وعند افتتاح الجنادرية يوم الخميس الماضي أمام الزوار توافد مئات الآلاف إلى الجنادرية، حيث أُعلن أن عدد الزوار في اليوم الأول وصل إلى نحو سبعمائة ألف زائر، وهذا يدل على أن هناك رغبة أكيدة من قبل أغلب أفراد المجتمع والأخوة المقيمين في استمرار هذا المهرجان الذي يمثل لهم متنفساً ومتعة وسعادة يتعرفون على كل جديد من خلال برامجه المتنوعة. والجنادرية أصبحت ببرامجها سواء داخل أسوارها أو الندوات والمحاضرات التي تعقد في صالات الفنادق الأخرى تمثل عنواناً جميلاً للحراك الفكري والثقافي في مدينة الرياض، حيث يتحاور المفكرون والكتّاب والمثقفون في قضايا فكرية وثقافية متنوعة، مما جعل كثيرين يطلقون على الجنادرية بأنها ملتقى الحوار، ففي داخلها يُجرى حوار وطني لما يضم من فئات المجتمع المتنوعة فكرياً ومذهبياً وثقافياً، وهناك حوار مع الآخر عبر الالتقاء بضيوف الجنادرية الأجانب الذين يفدون من كل مكان لزيارة هذا المهرجان المهم. ومما لا شك فيه أن مهرجان الجنادرية أصبح من المهرجانات الدولية التي لها صدى كبير داخل المملكة وخارجها؛ وذلك من خلال دعوة المفكرين والمفكرات من خارج الوطن ليكونوا ضيوفاً على المهرجان، والاستفادة منهم في عقد الندوات والمحاضرات لمناقشة مواضيع حيوية ومهمة؛ حيث لاقت هذه الندوات والمحاضرات أصداءً كبيرة من خلال أبعادها الفكرية والثقافية. والغريب أن هناك بعض الأصوات تنظر إلى هذا المهرجان على أنه غير مجدٍ، وأنه مكلف من الناحية المادية، وليس لإقامته أي ضرورة أو فائدة دون النظر إلى أهدافه وفوائده التي يستفيدها أغلب الزوار وخاصة من هم صغاراً في السن. ولابد من استثمار هذا الكم الهائل من الزوار والاستفادة من تواجده في غرس مفهوم وتعزيز قيم المواطنة من خلال الندوات والدورات القصيرة والسريعة لرواد المهرجان، ونشر ثقافة الحوار وقيمه، وكذلك إبراز أهمية التطوع (العمل التطوعي) وتعريف الزوار بأهداف التطوع، ودعوة الراغبين في التطوع بتسجيل أسمائهم وعناوينهم للتواصل معهم، وتعريف الزوار أيضاً بأضرار المخدرات والمسكرات من خلال مطويات توزع عليهم وغير ذلك في جميع المشاريع التثقيفية والتوعوية. وختاماً آمل أن نشاهد كل سنة مهرجاناً متميزاً ومتنوعاً يختلف عن المهرجانات السابقة؛ لأن التجديد في الأفكار والبرامج يجذب زواراً أكثر ويحافظ المهرجان على تفاعله وتميزه من خلال تلك البرامج المتنوعة والجديدة، ويمكن أن يتم تطوير الفعاليات لنتمكن من ربط أجيالنا الجديدة بتاريخنا الوطني من خلال تقديم أفكار خلاقة جديدة تنقل المهرجان من البعد الوطني المحلي إلى بعد إنساني عالمي. ونحن ندرك وبكل فخر أن هذا المهرجان قد قدم صوره حقيقية للحرس الوطني ونقله من صورة جهاز عسكري ذو أهداف سامية إلى مؤسسة عسكرية وطنية تنموية أسهمت بشكل حقيق في حفظ تاريخنا الوطني وبناء الهوية السعودية التي تستند على البعد الشرعي والوطني والإنساني.