هذه هي المرة الأولى التي أشاهد فيها فيديو يتضمن إساءة جسدية وعنف. لأنني من ذوي القلوب الضعيفة جدا. ذلك أولا بسبب الانتشار الواسع للفيديو, الذي جعل تحاشي مشاهدته أمراً صعباً. وثانيا موضوعه الذي شغلني البحث فيه منذ سنوات عديدة. شاهدته بصعوبة بالغة وكتمت أنفاسي حتى آخر دقيقة وأنا أسمع صوت أنين موجع, صادر من طفل مُعاق عن الحركة ويعاني من مشاكل في معدته يتعرض للإساءة الجسدية. الفيديو مصوّر في أحد مراكز التأهيل الحكومية في منطقة عفيف. الممرض آسيوي الجنسية, تعامل مع الطفل بقلب من حديد, أو بلا قلب. كان يطعمه من قارورة بها طعام مهروس, وتعمّد حشر الطعام ومن ثم صبَّ السوائل بطريقة وحشية في فمه, بعد أن ثبت رأسه بشكل أفقي مما يسبب اختناق الطفل, ومن ثم أن تصدر منه أصوات خليط ما بين التأوهات والأنين والغرغرة!. علاوة على الأثر النفسي الذي خلّفته مشاهدة الفيديو, وتلك الأسئلة التي دارت في بالي عن تسيّب المسؤولين وعدم تأمين كاميرات مراقبة في مثل هذه المراكز, وتوفر مراقبين يتولون مراقبة طاقم العمل وتقييمه.. بدأت أفكر في السبب الذي يدفع بالبعض للانسلاخ من بشريتهم, الأمر الذي يسلبهم أدنى قدر من الشعور. والتاريخ الاجتماعي للبشر يغص بأحداث مشابهة, يكون فيها شخص ما مُضطهِد وآخر مُضطهَد. لا سيما في العالم الثالث التي تكون الشخصية الاضطهادية متوافرة في كل بيت, إن لم تكن الأسرة بكاملها أو مجتمع بأسره. تبدأ الحكاية بتعرض شخص طبيعي لظروف قاسية, يكون فيها عاجزا عن تأمين الرزق والأمن والحفاظ على صحته وسلامته بسبب الفقر أو بسبب ظروف طبيعية قاهرة كالزلازل والكوارث وغيرها. إن فقدان هرم الاحتياجات الأساسية لتأمين حياة الكرامة للشخص, وسلب الإنسان خياره وطمأنينته من قبل أطراف مستبدة, تعتاش على عرق الضعفاء وكدحهم. باتباع أساليب تضمن لهم الإبقاء على حالة الدونية لدى المستضعف, عن طريق نعته بالقصور والغباء والتخلف وغيره, مما يُدخل الإنسان في دوامة الاضطهاد. والإحساس بالاضطهاد ليس هو الشعور بالضعف والاستكانة وحسب, بل مشاعر القهر تلك تتعداها إلى الإحساس بالدونية والفشل في تحقيق الذات. ذلك القلق الموجع الذي يُراكم - مع الوقت - غلياناً ورغبةً في الخلاص, تتشكل في البحث عن طريقة تخفِّف من ذلك الاحتقان. وغالبا تكون بالبحث عن ضحية, يحمّلها مشاعر النقص و الفشل التي ترهق وجوده. تلك الضحية يشكلها كانعكاس لصورته, فيسبغ عليها آثامه وفشله, ثم يبدأ بتفريغ شحنات الغضب التي تتخذ شكل العنف والاعتداء والتحقير, بطريقه كتلك التي تلقاها من المستبد, الذي يقوم بدوره بالنفخ على جذوة الحقارة لديه بتصغيره وتعنيفه باستمرار. وغالبا ما تكون تلك الضحية هي الأضعف: المرأة والطفل والأقل شأنا: كالفقراء والمرضى. الذين بدورهم تتملكم مع الوقت مشاعر الاضطهاد, ويتحولون مع تراكم الدونية والفشل, إلى متسلطين!.. السلسلة ممتدة, لا أحد يعرف متى ابتدأت ولا أين ستنتهي. بل إن الضحية تصل مع الوقت إلى حالة من الرضى وشيء من المازوشية التي تدفعها لأن تعاون المتسلط على تلقي المزيد من الأذى. إن عدم البحث عن حلول حقيقة تُخرج الضحية بها نفسها من دائرة الاستبداد, سببها كُمون الرغبة في الإبقاء على حالة الاضطهاد قائمة. لهذا تزايد النساء في الأوساط المتخلفة على مظلوميتها, وتعتبر أن أي أنموذج من نماذج الدعوة لنفض الظلم وانتشال النفس من وحل العنف, وأي محاولة لتهوين مشكلاتها التي تضخمها وتتمسك بها, وتعاود تذكّرها وصيانتها من أثر الزمن. أي محاولة من هذا القبيل سوف تعتبره - المرأة المتخلفة - شكلا من أشكال عدم التعاطف ورفض الإيمان بقضاياها. إذ إن المرأة المضطهدة تصنع لها مع مرور الزمن واستمرار مسلسل العنف والإساءة.. قصرا كبيراً تؤثثه بأنغام الحزن, والذكريات البائسة. تكون فيه السندريلا الجميلة الحزينة التي لم يقدّرها الآخرون, بسبب جمالها وكفاءتها!. وأي شخص سوف تمتد يده ليفسد خيالها الجميل, وليذكرها بإمكانية الخروج من هذا الواقع, وأنها هي السبب الأول في وضعها الاضطهادي ذاك. سوف تصفه بالخائن!.. لذا إن أفضل طريقة للحصول على شخصية مقموعة مسكونة بالشك والفشل والعنف والخيالات والخرافات هو أن تُبقي ظهرك تحت سوط المستبدين!.