كثيراً ما يأتي أطفال أو نساء ونادراً ما يأتي رجال أصحاء نفسيين إلى العيادة النفسية، بينما المريض الحقيقي يبقى في المنزل لا يأتي. هذه الحقيقة ليست أمرا جديدا، فكثير من الأطفال يأتون إلى العيادة النفسية بسبب إضطرابات يكون المُسبّب لهذه لإضطرابات هو شخص موجود في المنزل. كثيراً ما يأتي الأطفال إلى العيادة النفسية يُعانون من القلق والإكتئاب أو إضطرابات عدم التكيّف أو إضطرابات ما بعد الحوادث المؤلمة. يأتي وهو يشكو من أعراض نفسية تدل على مرض مثل الإكتئاب ؛ يكون منخفض المزاج، منطوٍيا على نفسه، فاقداً للثقة بنفسه، عصبي المزاج، سريع الإنفعال، يقوم بمشاكل مع أشقائه ووالديه وزملائه في المدرسة وكذلك المدرسّين، وكذلك تدني مستواه الدراسي وقلة تركيزه، وأحياناً إضطراب النوم. هذه الأعراض تجعل الطبيب يُشخّص الطفل بأنه يُعاني من مرض الإكتئاب، ويصف له الأدوية لكن مع مرور الوقت لا يرى الطبيب المُعالج أي تحسن في حالة الطفل النفسية. عدم التحسّن هذه لأن سبب هذا المرض قد يكون من المنزل الذي يعيش فيه الطفل. فمثلاً قد يكون مثل هذا الطفل يُعاني من إضطهاد من قِبل والده، الذي يُعامله معاملةٍ قاسية، قد يتعرض الطفل للضرب المُبرح وأحياناً التعذيب البدني والنفسي . هناك أطفال يتعرضون لمعاناةٍ قاسية داخل منازلهم من أقرب الناس لهم. ولا يستطيع الطفل أن يتكلم عن هذه المُعاناة لأنه يعرف بأن العواقب سوف تكون مزيداً من العقاب والمعاملة القاسية، فيُفضّل الطفل الإنكفاء على نفسه، ويبدأ في لوم نفسه، حيث يشعر بأنه هو السبب في أن يُعامل هذه المعاملة. يُلقي باللوم على نفسه وهذا ينعكس لا شعورياً على الطفل مما يقوده للإكتئاب. ؟ عند مراجعة الطفل الذي تعرّض لسوء المعاملة إلى العيادة النفسية، وغالباً يأتي معه أحدا مع عائلته، وربما يكون الذي يُرافق الطفل إلى العيادة هو الشخص الذي يُسيء معاملة الطفل وإيذائه، وربما هو من يُجيب عن الأسئلة التي توّجه إلى الطفل إذا كانت هناك أسئلة حول بعض الإصابات أو أي أمرٍ يُثير شبهةٍ حول أن يكون هناك إساءةً للطفل. الموقف هذا ليس سهلاً على الطفل أن يُدلي بأي معلومات عن سوء معاملته التي يُعاني منها في المنزل. ويبقى الأمر هكذا يدور في حلقةٍ مُفرغة، فالطفل المريض في واقع الأمر هو ضحيةً وليس مريضاً وإنما المريض هو الشخص الذي يسُيء إلى الطفل، إما لأسباب نفسية أوإجتماعية. فقد يكون هذا الشخص مريضا نفسياً وليس أهلاً لأن يكون أباً أو أماً فيستخدم أسلوب العنف بصورة بشعة أو يهمل الطفل إهمالاً ويُعرضّه لضغوط نفسية شديدة تؤُثر على نفسية الطفل فتجعله يمرض. علاج أسري صعب إكتشاف هذا الأمر ليس بالأمر السهل إلا إذا كان شخصاً من أقارب الطفل أو الجيران أو الأصدقاء شاهد هذه الإساءة ونقلها إلى أشخاص مُختصين وبالتالي تبدأ العملية العلاجية إذا وصل الأمر إلى المعالجين. عندئذ يتحوّل الموقف من علاج الطفل إلى علاج أسري صعب، حيث هناك دائماً إنكاراً من قِبل الشخص الذي يقوم بالإعتداء وإيذاء الطفل، وإذا كان أحد الوالدين فإن الموقف يزداد تعقيداً وصعوبة. فالأنظمة في الدول النامية ليست واضحة بشكلٍ تام، لذلك يدخل العلاج في دوامةٍ من القضايا القانونية والعلاج النفسي لأفراد الأسرة. في بعض الدول يتم أخذ الطفل من أهله إذا تم التأكد بأن أحد الوالدين هو من يُسيء ويؤذي الطفل، ويتم علاج الطفل مع االعائلة ولكن بعد أن يؤخذ الطفل من عائلته ويوضع في مكانٍ آمن تحت إشراف مُتخصصين في رعاية الأحداث، وهذا ليس سجناً ولكنه مكان يأوي الأطفال الذين يتعّرضون لإيذاء من قبل والديهم وينعكس ذلك عليهم بإصابتهم بإضطرابات نفسية. يستغرق العلاج فترة طويلة قد تمتد لسنوات وربما لا يعود الطفل إلى والديه مرةً أخرى وذلك لمصلحته وهذا يحتاج إلى قرار محكمة تخصص بمثل هذه الحالات. إن إيذاء الأطفال والتسبُبّ في أصابتهم بإضطرابات نفسية ليس أمراً سهلاً على الطفل. فالطفل المريض نفسياً إذا لم يُعالج وتُعالج الأسباب التي قادت إلى إصابته بهذه الاضطرابات النفسية فإنه يستمر مريضاً نفسياً حتى حينما يُصبح شخصاً بالغاً وبذلك يتأصل الاضطراب النفسي معه وربما أستمر الإضطراب النفسي مدى الحياة وربما تدهور الشخص إلى اضطرابات أكثر صعوبةً في علاجها وهذا يُكلّف المجتمع مادياً ومعنوياً الكثير من المعاناة. فالشخص الذي يبدأ عنده الإضطراب النفسي من سن الطفولة ويستمر معه حتى سن النضج، قد لا يستطيع إكمال دراسته وقد لا يعمل ويُصبح عالة على المجتمع إضافة إلى تكلفة علاجه النفسي الذي يُكلفّ الكثير من الجهد والطاقة من الخدمات النفسية والإجتماعية والإقتصادية. إن مثل هذه الحالات يجب أن تُعالج وتُعامل بشكل جدي إلى أبعد الحدود للتقليل من معُاناة الطفل وكذلك عدم جعله مريضاً نفسياً يعُاني طيلة حياته من جراح الإساءة والإيذاء أثناء طفولته. ومن الأمور الجميلة بأن معظم الدول العربية الآن لديها جمعيات لحماية الطفولة والأطفال من الإيذاء الذي ليس قليلاً في معظم دول العالم. الإضطهاد وسوء المعاملة الأمر الآخر هو المرأة، خاصة في العلاقة الزوجية، فإن كثيرا من النساء يأتين إلى العيادة النفسية نتيجة الإضطهاد وسوء المعاملة من الزوج الذي قد يكون أحياناً مريضاً ولا يعترف بذلك. كثير من الأزواج يعانون من الشكوك المرضية في زوجاتهم، ويتخّيلون بأن زوجاتهم غير مخلصات لهم. هذه النوعية من الرجال المرضى بمرض الشكوك المرضية يُحيل حياة المرأة إلى جحيم. فهو دائماً يتهمها بأنها على علاقة برجال لا تعرفهم ويُفسّر الأمور بشكل مرضى (نظرية المؤامرة)، فإذا كانت تذهب لزيارة أهلها فإنه يتهمها بأنها تذهب إلى أهلها لأنها تُكلم الشخص الذي ترتبط معه بعلاقة عاطفية، أو أنها تُقابله، ويفترض إفتراضات لا أساس لها من الصحة، مثل أن يتهمها بأنها تذهب إلى منزل أهلها لأنها تُقابل بعض أقاربها هناك، وكثيراً يمنعها من الذهاب لزيارة أهلها إلا برفقته. التنصت على مكالمات الزوجة وتفتيش أغراضها وقد يعثر على أشياء عادية لكنه يُفسّرها بحكم مرضه بالشك بأشياء أخرى. وعندما يشتد المرض بالزوج الشكاك ويُصبح الوضع سيئا جداً فإن الزوج يقوم بتفتيس ملابس زوجته بشكلٍ عام، ويُركّز على الملابس الداخلية بحثاً عن أي أثر لعلاقةٍ لزوجته مع رجل آخر دون أن يكون هناك أي أدلة واقعية تُبرّر ما يفعله الزوج، ودائماً يعُلق الزوج على سلوك زوجته مُركزاً على عدم صدقها وأنها تتصرف تصرفات مشينة دون أن يوُضح ماهي هذه التصرفات الشائنة أو السيئة. المرأة التي تعيش مع رجل مريض بالشك ويتصرف وفق تفكيره المريض مع زوجته قد يقودها إلى الإضطرابات النفسية، وتأتي إلى العيادة النفسية، وهي ليست المريضة، بينما يرفض زوجها المريض أن يحضر إلى العيادة بحجة أنه ليس مريضاً. وهذه العلاقة الزوجية من أسوأ العلاقات الزوجية بالنسبة للزوجة التي تعيش مع زوج مريض بالشكوك ويرفض العلاج ويضع الزوجة تحت ضغوط نفسية دائمة تقودها إلى إضطرابات نفسية مُتعددة. وإذا كان هناك أطفال في مثل هذه العلاقة الزوجية فإن الزوج قد يتهم الزوجة بأن الأولاد التي أنجبتهم ربما ليسوا أبناءه! وهذا قمة الضغوط النفسية على الزوجة وأكثر إذلالاً للزوجة عندما يتهمها زوجها بأن الأطفال التي أنجبتهم منه ربما ليسوا أطفاله برغم عدم وجود أي أدلة، وعندما تطلب المرأة من زوجها عمل تحليل ليتأكد من أبوة أطفاله فإنه يرفض . وحين تطلب الطلاق فإنه يرفض ويزداد تعنُتاً في التمسك بها وكذلك يزداد بوضع المزيد من الضغوط النفسية عليها، وربما أتهمها بأنها تُريد الطلاق حتى تتزوج الشخص الذي هي على علاقةٍ عاطفية معه. عند هذا الحد تُصبح حياة المرأة جحيماً لا يُطاق، وتبدأ في الإنهيار نفسياً وعضوياً، حيث تبدأ في المعاناة من إضطرابات نفسية كالإكتئاب الشديد وربما قاد هذا إلى أمراض عضوية بسبب الحالة النفسية التي وصلت إليها. حين تصل مثل هذه الزوجة إلى العيادة النفسية تكون مُحطمة نفسياً، تُعاني من نظرة دونية لنفسها وفقدانها الثقة في نفسها وفي من حولها، وتفقد المتعة في أي شيء في الحياة، وهذا يؤدي إلى فقدانها الرغبة الجنسية مع زوجها، ويتهمها حين ترفض العلاقة الجنسية معه بأنها ليست بحاجة جنسية معه لأن لها عشيقا تُمارس معه العلاقة الجنسية وهذا قمة التحطيم المعنوي والاخلاقي للزوجة التي يتهمها زوجها بشكلٍ مستمر بهذه الإتهامات دون وجود أي دليل، حيث أنه يُضيق عليها الخناق في كل تحركاتها ؛ فلا يسمح لها بزيارة صديقات أو الذهاب إلى أماكن التجميل أو تصفيف الشعر حتى وإن طلبت منه أن يوصلها هو بنفسه وينتظرها في الخارج، لكنه يرفض ويفسّر الأمور بأنها قد تُقابل أحداً في هذه الأماكن برغم أنها مُخصصة فقط للنساء، ولكن شكوكه المرضية تجعله يُفكّر بكل سلوك لزوجته بالريبة والسوء. قد يتطور هذا الأمر ويُصبح غير قابل للإحتمال من قِبل الزوجة فتترك المنزل وتذهب إلى أهلها وهذا مالا يقبله الزوج وفي حالاتٍ مرضية شديدة عند الزوج قد يقوم بقتل الزوجة أو إيذائها بدنياً بشكلٍ بشع. والمحاكم فيها الكثير من هذه القصص!. للأسف الشديد فإن مثل هذه العلاقات الزوجية، فالنصيحة تكون للمرأة من بداية الزواج بأن تترك الزوج قبل أن يكون هناك أطفال وتتعمق الشكوك المرضية عند الزوج ويُصبح الأمر يُشكل خطراً على حياتها!!. هذه الأمثلة التي تحدثت عنها ليست نادرة بل هي موجودة وبأشكالٍ متفاوتة لذلك يجب على المُعالج أن ينتبه للاسباب التي جعلت الشخص يصل للعيادة.