متى ما أثار البعض موضوع السمنة والمشاكل الناتجة عن قلة الحركة فإني لا أتردد أن أعطي من أمامي نفس الإجابة: تقليل الجلوس، والرياضة. رأينا باختصار في بعض المواضيع السابقة الأضرار العظيمة التي تسببها كثرة الجلوس، وهي ليست فقط رفع الوزن بل أمراض أخرى كثيرة. في وظائف الشركات الخاصة يقضي الموظف ثُلث يومه أي ما لا يقل عن 8 ساعات جالساً، وفي القطاع الحكومي أقل قليلاً، فيجلس ربع يومه على الكرسي على الأقل، ومع انتشار الحواسب صار الجلوس أكثر من ذي قبل في كلا القطاعين. لا مفر من العمل وطلب الرزق لكن لا يجبرك أحد على الجلوس طوال اليوم، والشيء المُبهِج هو أنك لا تحتاج أن تتحرك باستمرار، ذلك أن مجرد الوقوف على قدميك يبدأ في تقليل أضرار الجلسة فوراً وبشكلٍ كبير. أما إذا استمررت في الجلوس بمعدل 6 ساعات يومياً فإن الأضرار تبدأ مباشرة عندما تجلس، فتهبط الحركة الكهربائية في عضلاتك ويقل معدل حرق الدهون إلى سعرة حرارية واحدة في الساعة. بعد خمس أيام من هذا الجلوس المستمر يبدأ الجسم إفراز بلازما الدهون الثلاثية ويرتفع الكولسترول الضار وتقل كفاءة الأنسولين وهذه عوامل ترفع السكر في الدم وتقلل استفادة العضلات من الدهون. بعد أسبوعين تضمر العضلات وتقل نسبة الأكسجين التي يمتصها الجسم، فيصعب عليك صعود الدرج ويحتاج مجرد المشي العادي جهداً أكبر. بعد سنة تبدأ الآثار طويلة المدى في الظهور فترى وزنك يزداد وكذلك الكولسترول، وأما المرأة فتنقص كثافة عظامها بنسبة 1%. بعد عشر سنوات تفقد 7 سنوات من عمرك، ولن تموت نفس قبل أجلها لكن لو كان معدل العمر 70 سنة فيعني اقتراب الوفاة في أوائل الستينات. أيضاً تزداد احتمالية الإصابة بأمراض القلب بنسبة 64% وسرطان البروستاتا والثدي بنسبة 30%. هل أخافك هذا كله؟ أتمنى ذلك! والمُقلق فعلاً هو أنه رغم الفوائد الهائلة للرياضة فإنه حتى ممارسة 30 دقيقة من الرياضة يومياً لن تقلل هذه الأضرار إذا كنت تجلس باستمرار، ولن ينفعك إلا التقليل من الجلوس، ولو بمجرد الوقوف على قدميك حتى بدون حركة. إذا كنت تتعذر بصعوبة الرياضة لتبرر تجنبك لها فلا عذر لك في تجنب شيء سهل مثل الوقوف! غير الجلوس الطويل فهذا العصر بالذات ظهرت فيه حاجة الرياضة، خاصة مع قلة الحركة وتنوع الأطعمة الضارة المعالَجَة، لهذا انتشرت أمراض القلب والسكر والتي كانت محدودة جداً في العصور السابقة، ولذلك صرنا الآن في حاجة أشد للرياضة، لكن كل الناس تقريباً لا يتريضون باستمرار، على الأرجح بسبب انشغالهم وبسبب مشقة الرياضة. ليت هناك حلاً لهذه المعضلة، مثل حبة نبلعها وتعطينا فوائد الرياضة بدون التعب. ربما يخترعون شيئاً كهذا في المستقبل. أو اليوم! نعم، نحن نعيش في عصر مدهش، ولا برهان أفضل من هذه القصة والتي لا زلنا في بدايتها، ففي عام 2008م نشر علماء أمريكان نتائج تجربة عجيبة وهي اكتشافهم دواءً يعطي آكله منافع الرياضة! لنعرف التفاصيل أولاً، فالذي يحصل عندما نتريض هو أن المخ يفرز نوعين مختلفين من البروتينات، ولما عَزَلَ العلماء المادتين لاحظوا أن لهما تأثيرات علاجية، فالبروتين الأول يعالج بعض أمراض القلب والثاني يقلل الكولسترول الضار، ولكن أتت نتيجة مبهرة لم يتوقعوها، فأطعموا فئراناً حبة كل يوم لمدة 4 أسابيع، ولاحظوا في نهاية التجربة زيادة القوة والتحمل العضلي بنسبة 44% عند من تناولت البروتين الأول ونسبة 70% للبروتين الثاني رغم أنهم منعوا الفئران من الحركة طيلة هذه الفترة! كما ذكرت لا زالوا في بداية تجربة هذا الدواء وإلى كتابة هذه السطور (أوائل عام 1433ه) لم يجربوا الدواءين على البشر لكن لعلنا نرى ذلك قريباً إن شاء الله. «المستقبل هو الآن»، ما أعجبه من عصر! لكن خير البر عاجله، وقد يمضي عمرك كله ووزارات الصحة العالمية لا تسمح بهذه الأدوية ربما لضررها أو قلة التجارب البشرية، فلا أفضل من أن تبدأ اليوم، فإذا كنت تكثر الجلوس فشمر عن ذراعيك وسم باسم الله ثم... قف على قدميك!