إطلاق عيادات التمكين لتعزيز الخدمات المقدمة لمستفيدي الضمان    مهرجان "حرفة حائل" يجذب السياح    الذكاء الاصطناعي ليس عبقرياً    زلزال بقوة 3ر5 درجات يضرب إثيوبيا    حرس الحدود بجازان يقنذ مواطن تعرض لأزمة صحية في عرض البحر    انخفاض اسعار الذهب    حظر نقل أو نشر تسجيلات كاميرات المراقبة الأمنية    37 مليار دولار طلبات اكتتاب على إصدار السعودية سندات دولية    5 أسباب للإصابة بالعصب السابع    «تاسي» يغلق مرتفعاً لليوم الثاني    تخصيص مقاعد دراسية بالجامعة الإلكترونية لمستفيدي صندوق الشهداء والمصابين والأسرى والمفقودين    «الصناعة»: رصد تحديات النمو والتوسّع في 1000 مصنع    هل تعود أحداث الحجْر والهلع من جديد.. بسبب فايروس صيني ؟    اعرف صحتك من لون لسانك    «سلمان للإغاثة».. يواصل دعمه للاجئين السوريين في عرسال    نائب أمير منطقة تبوك يزور مهرجان شتاء تبوك    «البيئة»: منى تسجّل أعلى كمية أمطار ب 89 مليمتراً    8 ملاعب تحتضن مباريات كأس آسيا 2027    الجنف.. عدو العمود الفقري    واشنطن: موسكو تمول طرفي حرب السودان    القوات الروسية تتقدم في أوكرانيا    شاحن لتشغيل 5 أجهزة حاسوب في وقت واحد    عوائق العلاقات الطبيعية بين لبنان وسورية    سعود بن طلال يشيد بدعم القيادة للقطاعات العسكرية    الاتحاد يُقصي الهلال بركلات الترجيح ويتأهل لنصف نهائي كأس الملك    في انطلاق كأس السوبر الإسباني بالجوهرة.. برشلونة في اختبار أتلتيك بيلباو    خيسوس مدرب الهلال : الفريق الأفضل لم يفز الليلة والنتيجة لم تعكس واقع المباراة    إقامة بطولة أساطير الخليج.. فبراير المقبل    فارياوا يحسم المرحلة الثالثة برالي داكار السعودية.. والراجحي يتراجع    العدالة والمنافسة على الصعود    اعتزلت الملاعب    دعم القطاع الخاص للبحوث والدراسات العلمية    الشرع يفتخر بما فعلته السعودية لمستقبل سوريا    أمير حائل يدشن مهرجان العسل    عشاق الزيتون    مجلس الوزراء: الموافقة على نظام المواد البترولية والبتروكيماوية وتعديل نظام المرور    أمر ملكي بتعيين 81 "مُلازم تحقيق" بالنيابة العامة    نجاح.. شهرة.. ثقافة    شراكة أمانة الرياض والقطاع الخاص    مترو الرياض الأول عالمياً    جازان تستضيف النسخة الأولى من معرض الكتاب 2025    جائزة الملك فيصل تعلن الفائزين للعام الحالي    أساس الألقاب في المجتمع السعودي    احسبها صح .. بعيداً عن الفوضى    محتوى الإعلام الدولي.. ومؤتمر سوق العمل !    الأفلام والدخل الوطني    لماذا بطولة بولو العالمية في صحراء العلا ؟    هيئة الأوقاف تعرّف بخدماتها في تبوك    أمير نجران يكرّم قائد الأفواج الأمنية بالمنطقة سابقاً    سعود بن نايف يطلع على جهود «أصدقاء السعودية»    أمير الشمالية يتفقّد مبنى إدارة الأدلة الجنائية الجديد    الخارجية الفلسطينية تدين التصريحات التحريضية الإسرائيلية    «تخصصي المدينة المنورة» يحصل على «الآيزو» في إدارة المرافق    نائب وزير الداخلية يستقبل السفير المصري لدى المملكة    سفير فلسطين: شكراً حكومة المملكة لتقديمها خدمات لجميع مسلمي العالم    بلسان الجمل    العداوة الداعمة    حماية البذرة..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرجال الأوفياء.. يتذكرون صديقهم عبدالعزيز المنقور في احتفالية كبيرة غداً
المنقور ل(الجزيرة): ظالم لنفسه من يتمسك بوظيفته بعد الستين
نشر في الجزيرة يوم 09 - 01 - 2012

أجرى الحوار - عوض مانع القحطاني - تصوير - مشعل القدير
البدايات نصّبته عصامياً بالرغم من دخوله العمل الخدمي للدولة في بواكير شبابه، حيث رافقه النجاح.. لبّى نداء الوطن موظفاً بالملحقية السعودية بلندن، ثم تدرج حتى أضحى ملحقاً ثقافياً بأمريكا، وهي المحطة التي قدّم من خلالها عملاً جاداً ومعرفياً أكسبه محبة الجميع خاصة الذين كانوا حضوراً هناك على دوره في تمكين طلابنا من المعرفة الأكاديمية والاجتماعية، ومن ثم أداء رسالتهم على الوجه الأكمل..
يقول المهندس عبدالعزيز بن محمد المنقور في حديثه ل(الجزيرة): إنه لم يكن متحمساً للعمل في أمريكا لولا (اتصال من صديق) عاد لتوه من الدراسة هناك بدَّد تردده.. في طريقه إلى نيويورك توقف في كوبنهاجن الدانمارك، التقى في ساحة المدينة الكبرى بالأديب الراحل عبدالكريم الجهيمان - رحمه الله - يقول: إن هذا اللقاء قد أعطاه زاداً في متابعة رحلته. وفي هذه المساحة التي اقتصصناها من وقت الإنسان والتربوي والدبلوماسي المنقور بمناسبة تكريمه غداً في احتفالية كبيرة ممن كانوا مبتعثين للدراسة خلال الفترة التي كان يتولى فيها مسؤوليته ملحقاً ثقافياً بالولايات المتحدة الأمريكية، استحضر ذاكرة مسيرته ليرتحل بنا عبر المحطات التالية.. فماذا قال؟
- كيف تم اختياركم ملحقاً ثقافياً؟
- كنت أدرس اللغة الإنجليزية (على نفقتي) في بريطانيا في ذلك الوقت، وكانت الدولة تسعى لتعزيز الملحقيات الثقافية في عدة دول وزيادة عددها، ومن تلك المكاتب حديثة التأسيس كان مكتب جنيف الذي ترأسه المربي الكبير محسن باروم، رحمه الله. كانت وزارة المعارف، وهي الجهة المشرفة على تلك الملحقيات، ترغب في استقطاب من يلمون بمعرفة لغات أجنبية. وخلال وجودي للدراسة في بريطانيا نمى إلى علمي نبأ ترشيحي للالتحاق بالعمل في أحد هذه المكاتب، وعند عودتي للرياض ذهبت لزيارة وزير المعارف في ذلك الحين، معالي الشيخ عبد العزيز آل الشيخ - رحمه الله - الذي كانت لي به معرفة سابقة، فذكر لي قرار تعييني في جنيف. وعندما أوضحت له أن عدم إلمامي بالفرنسية قد لا يجعل هذا المكان الأنسب لي، فاقترح العمل في أمريكا بغرض دعم الملحقية هناك. لم يكن من السهولة الاعتراض على هذا الاقتراح، لكني لم أكن متحمساً تماماً لهذه المهمة، إلا أن اتصالاً بصديق لي في الدمام كان قد عاد حديثاً من الدراسة في أمريكا بدد ترددي، بل شجعني على المبادرة بناء على أهمية هذا العمل ولطبيعة البلد المنفتحة.
ذهبت إلى بيروت لأخذ التأشيرة
في صيف عام 1961 غادرت الرياض إلى بيروت، حيث حصلت على تأشيرة الدخول لأمريكا، وكان الفضل للسفير رشاد نويلاتي الذي كان الرجل الثاني في سفارة المملكة في ذلك الحين حيث إنه تكرم بإعادة كتابة معلومات جوازي بلغة إنجليزية واضحة.
أول محطة كانت كوبن هاجن
توقفت وأنا متجه إلى نيويورك في كوبنهاجن، الدانمارك، حيث قضيت ليلة، وفي صباح اليوم التالي ذهبت إلى ساحة المدينة الكبرى، وهناك لمحت شخصاً أحسست من هيئته أنه من وطني، فاتجهت نحوه، ولحسن الطالع كان الأديب عبد الكريم الجهيمان، الذي افتقدناه حديثاً -رحمه الله-، فكانت فرحتنا باللقاء متبادلة، بل أعطتني زاداً في متابعة رحلتي. لم ينس الفقيد ذلك اللقاء، بل سجله في مذكراته.
وصلت إلى نيويورك
وصلت نيويورك، لكن لم أجد من كان من المتوقع أن يستقبلني في المطار، فركبت (الاتوبيس) إلى مانهاتن، قلب مدينة نيويورك، و من هناك اتصلت بالمكتب فوجدت موظفا من القنصلية هناك اسمه عبدالله شكر، وهو من البحرين، فاصطحبني إلى فندق صغير بالقرب من مقر الملحقية. في اليوم التالي زارني المسؤول عن المكتب الدكتور عمر أبو خضرة -رحمه الله-، الذي تمتع بخصال حميدة أهمها اللطف، وذهبنا سوياً إلى الملحقية التي لم تكن إلا مكتباً صغيراً يعمل فيه بالإضافة لأبو خضرة سكرتيرتان، إحداهما تعمل بنصف دوام.
عدد الطلاب في ذلك الوقت 161 طالبا
كان عدد الطلاب عند بدء عملي 161 طالباً، ويشمل هذا العدد 21 طالباً كانوا قد ابتعثوا في 1959، بناء على تفاهم تم بين معالي الشيخ عبد الله الطريقي -رحمه الله- بصفته مديراً لإدارة البترول التابعة لوزارة المالية مع وزارة المعارف، وذلك للتخصص في الحقول العلمية المتعلقة بالبترول. ازداد عدد الطلاب خلال فترة عملي في الملحقية، خاصة وأن الدولة حدت من البعثات للدول العربية، فوصل عددهم عند مغادرتي في عام 1977 إلى 12 ألف طالب وطالبة، وبالمقابل ارتفع عدد الموظفين إلى 50.
- ما هي التخصصات التي كان الطلاب السعوديون يدرسونها في ذلك الوقت؟
- عدا دارسي البترول، فإن كافة التخصصات كانت متوفرة للمبتعثين، بل إن تنوعها أثرى الحصيلة المعرفية والمهنية، خاصة وأن الحاجة كانت ماسة لجميع فروع العلوم.
- هل من بين الطلاب في ذلك الوقت فتيات سعوديات؟
- بالطبع، كان هناك طالبات مبتعثات، وكن متفوقات في الدراسة وخارج نطاق التخصصات تمكن بمقدرة من الاستفادة من محيطهن مع الاحتفاظ باستقلالهن.
جامعة الملك سعود
عندما أنشئت جامعة الملك سعود كان لا بد من الاستعانة بطاقم من الاكاديميين الأجانب الذين قدموا من دول شقيقة، ولكن سرعان ما اختلف الحال بعودة أوائل المبتعثين حاملين معهم شهادات عليا في شتى المجالات مستفيدين من السنوات التي قضوها في الغرب؛ حيث أتيحت لهم فرصة التعرف على عالم وثقافة تختلف اختلافاً كبيراً عما اعتادوا عليه، فكان أول هؤلاء -مع حفظ الألقاب- الوالد د. عبدالعزيز الخويطر -أطال الله في عمره- حيث استلم ادارة الجامعة من ناصر المنقور -رحمه الله- الذي عين وزيراً في مجلس الوزراء، وكان من قبل قد عين مديراً للجامعة بعد وفاة أول مدير لها د. عبدالوهاب عزام رحمه الله. اضطلع العائدون المؤهلون بمسؤوليات في جميع أوجه الحياة، لكن المجال الأكاديمي كان الأوفر حظا إذ تولى كثير منهم مناصب أكاديمة أو إدارية رفيعة في الجامعات أمثال د. غازي القصيبي و د. محسون جلال رحمهما الله، بالاضافة إلى د. منصور التركي ود. رضا عبيد وغيرهم. وفي فترات لاحقة كان لعدد منهم دور قيادي في إدارات الدولة وفي مجال الأعمال والفكر. وهذا الكلام، بالطبع، ينطبق كذلك على الخريجات، بل إن بعضهن من تقلد مناصب قيادية في منظمات إقليمية ودولية.
- هل كان الابتعاث في ذلك الوقت سهلاً؟
- كانت هناك بعثات من جهات حكومية مختلفة، لكن معظمها كان من وزارة المعارف التي وضعت شروطاً واضحة وقدمت المساعدة لكل مؤهل لمتابعة دراسته. كذلك كانت هناك بعثات من جهات أخرى، كأرامكو التي كان لها منح تمنح لطلاب يرشحون من قبل وزارة المعارف. بالاضافة إلى ذلك، كانت هناك بعثات من بعض الوزارات مثل وزارة الدفاع والطيران ووزارة الداخلية، وكذلك بعض المؤسسات الحكومية مثل معهد الادارة ومؤسسة النقد. كما كان يوجد عدد من الدارسين على حسابهم الخاص يتم الإشراف الكامل عليهم من قبل المكتب.
- ما هي المهام التي كانت تقوم بها الملحقية؟
- سعت الملحقية توفير الظروف الأفضل لتحقيق الطلاب ما جاؤوا لتحقيقه، سواء في مجال الدراسة، حيث متابعة تقدمهم، أو في الجانب المعيشي، حيث يتحصلون على مكافآتهم في وقتها. كذلك كانت الملحقية تقف إلى جانب الطلاب في ما قد يعترض دراستهم أو يواجههم في حياتهم، دون تكليفهم ضرورة الحضور للمكتب. في كل ذلك كان الاعتماد على تمكين الطالب من أن يكون معتمدا على نفسه ومواجهة التحديات قدر المستطاع لأن هذا جزء هام من «العملية التعليمية».
- كيف كانت ردة فعل الطلاب عندما يصلون إلى أمريكا؟
- يمكن تشبيه بعض الطلاب ب «الصقور المبرقعة» عند وصولهم لأمريكا لأول مرة من قراهم وهجرهم وأعمارهم في حدود 18، يصيبهم الذهول في نيويورك من كافة مظاهر الحياة، لكن ما أن يبدأوا في الاستقرار والانتظام في الدراسة حتى ينقشع البرقع ويقبلوا على الاندماج في محيطهم الجديد ويسهموا في نشاطاته.
- هل تلزمون الطلاب بالسكن مع العوائل؟
- عموماً نترك الخيار للطلاب، لكننا كنا نحضهم على الاستفادة خاصة للمستجدين بالمساكن التي توفرها الجامعات، أو بالاستعانة بالجامعات أو الكليات لتوفير سكن لهم مع عوائل، خاصة في فترة تعلم اللغة.
- هل الطلاب يمكثون أكثر من المدة المقررة؟
- بالطبع هناك حالات لكنها عموماً محدودة، وتتم معالجتها حسب ظروف كل منها.
- ما هي المشاكل التي كانت تواجه الطلاب في ذلك الحين وكيف كان يتم حلها؟
- المشاكل كانت محدودة، ومعظمها يرتبط بالمرحلة الأولى وتعلم اللغة والتأقلم، وبعضها له صلة لا شك بالتعثر في الدراسة أو تغيير مجال التخصص، لكن الانتظام والسلوك الحسن هو السمة الغالبة. وربما أسهمت الزيارات المتكررة للطلاب في مقار دراستهم في التعرف عليهم وعلى أوضاعهم وتكوين علاقات قوية معهم، وبالتالي المساعدة في حل قضاياهم. بالمناسبة، لا أذكر أنه قد تم فصل أي طالب خلال فترة عملي في المكتب، إلا ربما حالة واحدة. ويعود الفضل في ذلك إلى تحمل الطلاب مسؤولياتهم.
- هل تذكر أسماء الطلبة المتميزين في تلك الفترة؟
- يصعب تذكرهم جميعاً، لكن عددهم كبير وتميز بعضهم يتخطى التفوق الدراسي. سأذكر حالة فريدة تخص زوجة أحد المبتعثين، فبالرغم من أنها كانت ربة منزل وليست ضمن طلاب البعثة إلا أنها انتظمت بالدراسة في تخصص نادر وبعدد ساعات كبير ومع ذلك كانت تحصل على أعلى الدرجات.
- كيف كانت نظرة الأمريكان تجاه السعوديين؟
- كانت النظرة إيجابية، بل تميزت بروح الاستضافة والمودة وبالمعاملة الراقية، خاصة في المحيط الأكاديمي. ولهذا كان من الطبيعي أن يسهم ذلك في شعور الطلاب بالارتياح التام وبالانفتاح على مستضيفيهم.
- هل من وجهة نظرك أثرت مشكلة 11 سبتمبر على الطلاب المبتعثين؟
- لا شك أن لها بالغ الأثر فقد تبدلت البراءة السابقة بتوجس لا يقتصر على الطلاب المقيمين بل يشمل حتى الزائرين للعمل أو السياحة، وهو ما يخلق حسرة على العلاقة السابقة الجميلة. كانت أمريكا بالنسبة للكثير منا بلدا تجتمع فيه أفضل سبل المعيشة والمعاملة، وبالنسبة لي فقد كانت فترة عملي هناك من أسعد فترات حياتي.
- ما هو رأيك في التوسع في الابتعاث؟ وهل ترى استمراره؟
- بالتأكيد، ودون أدنى تحفظ، فقد أصبح في موضع اليقين مدى الاستفادة من الدراسة في الخارج وفي كل التخصصات ولنا في عدد مبتعثي دول أخرى مثل الصين وكوريا خير مثال. في اعتقادي الشخصي إن التوسع في الابتعاث هو من أهم المشاريع الكثيرة التي اعتمدها خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- منذ أن تسلم مقاليد الحكم. كذلك أرى أن بعض المشاكل التي كان يواجهها الطلاب في السابق قد خفف منها سهولة التواصل والانفتاح الكبير الذي أزاح «البرقع» حتى قبل مغادرة البلد، لكن الاعتماد التام على التواصل مع الطلاب عبر وسائل الاتصال الحديثة قد لا يفي بالحاجة إلى التعرف عليهم شخصياً وتلمس قضاياهم ومعاملتهم معاملة لا تقلل من استقلاليتهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.