كثيرون من جماعة الإخوان، داخل مصر وخارجها، اعتبروا أن وصولهم إلى السلطة في تونس بالمشاركة مع اليسار، وفي مصر ولا ندري مع من سيتحالفون، هو نهاية المطاف، و(النصر المؤزّر) الذي انتظروه طويلاً. غير أن الوصول إلى القمة أسهل كثيراً من البقاء فيها. التحديات التي تكتنف الأوضاع في تونس ومصر غاية في التعقيد مهما حاول الإخوان التملّص من تبعاتها، أو التحايل عليها، حتى وإن أداروا ظهر المجن لما كانوا يعتبرونه في الماضي (ثوابت) لا تقبل المساومة، وانقلبوا عليها، مثلما فعل الغنوشي في تونس تحت ذريعة (التدرّج)؛ وأنهم سيتجهون إلى الحل الإسلامي، متى ما سمح الوقت، وصار التغيير ممكناً. وكذلك سيفعل بلا أدنى شك إخوان مصر؛ فقد كانوا يرفعون في السابق شعار (الإسلام هو الحل)، وتركوا المجال واسعاً دون أن يقدّموا أية برامج (تفصيلية) لكيفية الحلول التي سيقدمونها، وبالذات المشاكل الاقتصادية بمختلف أنواعها؛ وكذلك العلاقة مع إسرائيل وهي قضية حساسة لا يمكن التعامل معها بضبابية كما هو منهجهم عندما يتورّطون. وفي تقديري أن التحدي الاقتصادي هو مشكلة الإخوان الكبرى في مصر تحديداً؛ بل ربما تعود معارك ميدان التحرير مرات ومرات لتسقط أنظمة وليس نظاماً واحداً، بعد أن استمرأ الشباب التظاهر والصخب ولذة اللعبة السياسية وأضوائها الجذابة. فالمعضلة الاقتصادية المصرية لا يمكن إطلاقاً حلُّها على المدى القريب أو حتى المتوسط. والمصريون، وبخاصة الشباب الذين أسقطوا نظام مبارك، على عجلة من أمرهم، وليس لديهم استعداد لأن يصبروا طويلاً. ومن يقرأ ما طرحه الإخوان كحلول اقتصادية لا يجد حلولاً حقيقية بقدر ما يقرأ أمنيات، لا ندري كيف يمكن أن تتحقق، ولا كيف ستقود السفينة المصرية إلى بر الأمان. وهذا ما أشارت إليه صحيفة الفايننشال تايمز في تقرير لها تحت عنوان (الإخوان يفتقدون لبرنامج اقتصادي) جاء فيه: (كانت الأوضاع الاقتصادية السيئة أحد الدوافع الرئيسية المحركة لثورة 25 يناير، لذا تحتاج الأحزاب السياسية لإعلان برامجها الاقتصادية كأحد أهم العوامل لجذب شعبية، ورغم ذلك اعترف سعد الكتاتني، العضو البارز بجماعة الإخوان المسلمين ورئيس حزب الحرية والعدالة الذي أعلن التنافس على 35% من مقاعد البرلمان بالانتخابات المقبلة، قائلاً: «إنني لا أعرف الكثير عن الاقتصاد»..)؛ وأضافت الصحيفة قائلة: (إن افتقار قيادة جماعة الإخوان إلى الاهتمام بالأمور الاقتصادية ينبغى أن يقلق المصريين). الجنزوري رئيس الوزراء الحالي أعلن في مؤتمر صحفي بعد أن تسلَّّم مهام منصبه أن الوضع الاقتصادي أسوأ مما كان يتوقّع؛ وقال في تصريح يشير إلى مدى الأزمة الخانقة التي يمر بها الاقتصاد المصري: (إنه سيسعى إلى خفض العجز في الموازنة العامة للدولة بمقدار 20 مليار جنيه (3.3 مليارات دولار تقريباً). وأضاف: (قطاع البترول الذي يعد في كل دول العالم الدجاجة التي تبيض ذهباً مدين للبنوك ب 61 مليار جنيه)، مشيراً إلى: (أن وزارة المالية تدفع منذ أول تموز - يوليو الماضي ملياري جنيه لقطاع البترول لكي يتم تسيير العمل فيه).. وهذا يعني أن الحكومة القادمة (حكومة الإخوان وحلفائهم) سيرثون وضعاً في غاية السوء والتردي، وإذا أخذنا في الاعتبار أن رؤوس الأموال التي كانت تتفق إلى مصر على شكل استثمارات أجنبية، وتمول الاقتصاد بالعملات الصعبة، ستحجم في انتظار ما سوف يكون عليه الوضع الاقتصادي والسياسي والأمني في مصر، وكذلك الأمر بالنسبة لقطاع السياحة الذي يُعد من مصادر الدخل الرئيسة للاقتصاد المصري، فإن المؤشرات الاقتصادية تبدو مثيرة للقلق بشكل خطير. وهذا ما أشارت إليه صحيفة (الإكسبريس) الفرنسية بالقول إن تبعات توقف نشاط القطاعات الاقتصادية الحيوية في مصر عقب ثورة يناير، ومنها السياحة والتجارة والصناعة، قد يُحوّل الربيع الذي يعيشه الشعب المصري حالياً إلى إعصار اقتصادي وشيك. وإذا كانت ثورة مصر قد قام بها وقادها وفجّرها شباب الطبقة المتوسطة، فإن الأوضاع الاقتصادية في مصر تشير إلى أن (ثورة الجياع) في الطريق كما توقّع محمد البرادعي. والسؤال: هل انتهت اللعبة؟.. ليس بعد بكل تأكيد. إلى اللقاء.