لو ذهبت يومًا إلى العيادة لمقابلة الطبيب وتفاجأت بأن من يقوم بمهمة الطبيب هو أحد «الإداريين» المتميزين في المستشفى الذين تم مؤخرًا ترقيتهم لممارسة مهنة الطب نظير تميزهم إداريًا، فلا تغضب.. ففي إطار ما يحدث الآن في قطاعنا الصحي يجب علينا أن نتقبل هذا المشهد، وأن نثق بأن ذاك الإداري سيتميز طبيًا كما استطاع التميز إداريًا في تخصصه الأساسي. فلو لو ذهبت اليوم لأحد المستشفيات أو أي من المواقع التابعة لوزارة الصحة سترى المشهد السابق ولكن بطريقة معكوسة.. فجميع منشآتنا الصحية تكاد لا تخلو من مسئول إداري كبير هو في الأصل «طبيب» قضى حياته العلمية في دراسة الطب وقضى ما سبق من حياته العملية في تشخيص الحالات المرضية ومعالجتها فأخلص في عمله وتمّرس حتى انتهى به الأمر إلى (الإدارة) والدليل على ذلك أن العرف لدينا عندما يتميز طبيب في تخصصه ويبرز فإن مكافأته المُنتظرة أن يتقلد منصبًا إداريًا مرموقًا ويبتعد عن تخصصه الأساسي الذي كلف الدولة مبالغ مالية كبيرة ليؤهل ويكون أحد جنود الوطن في مجاله. لماذا لا يتجرأ الإداريون على ممارسة المهن الطبية؟ الإجابة بديهية.. فالإداري لا علاقة له بالطب وإذا كان من يقدم الخدمة الطبية غير متخصص وغير مؤهل لممارسة المهنة فهذا سيعرّض أرواح المراجعين للخطر، نتفق على ذلك.. لماذا إذن يتجرأ الأطباء على ممارسة المهن الإدارية؟ إذا كان فريدرك تايلور يقول: «الإدارة هي القيام بتحديد ما هو مطلوب عمله من العاملين بشكل صحيح ثم التأكَّد من أنهم يؤدون ما هو مطلوب منهم من أعمال بأفضل الطرق وأوفرها». ويقول هنري فايول «أن تقوم بالإدارة معناه أن تتنبأ وأن تخطط وأن تنظم وأن تصدر الأوامر وأن تنسق وأن تراقب». واتفق علماء الإدارة على أن الإدارة علم قائم بذاته يرتكز على أربعة أسس (التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة) فبطبيعة الحال لن يستطيع الطبيب العمل على تلك الأسس بالشكل المطلوب، حتى وإن نجح طبيب في تأدية مهام إدارية فهذه حالة استثنائية لا تبرر المنهج الخاطئ الذي تسير عليه الأمور، فإن كنا نعي أن المسئولية تكليف وليست تشريفًا ونعي أن الجانب الإداري في أي منشأة صحية لا يقل أهمية عن الجانب الفني، فيجب ألا تولى المسئولية الإدارية في المنشآت الصحية إلا للمختصين في الإدارة الصحية، وإلا فإن حال المنشأة سيكون كحال المراجع الذي ذهب لإداري يمارس مهنة الطب بل وأشد خطرًا من الحالة السابقة وذلك لأن المتضرر في هذه الحالة منشأة بأكملها وليست حالة فردية، إضافة إلى أن التقصير الإداري في المستشفيات لن يقتصر أثره على منسوبيها وحسب، بل سيطال المرضى والمراجعين من خلال القصور في التنظيم والخدمات الصحية التي تُقدم لهم.