يُعَبِّر الإعلان التوعوي المنشور في الصحافة المحلية لحساب وزارة المياه والكهرباء أبلغ تعبير عن تداخل واختلاط الأولويات - من حيث الممارسة لا التخطيط أو التنظير - في قضية حيوية تتعلق بحاضر ومستقبل هذا البلد وسكانه. كثيرٌ منكم ربما اطلع على الإعلان المقصود.. وهو إعلان يحتل صفحة كاملة يتوسطه «خروف مكتنز» يشبه صهريج ماء، مع تعليق يقول بالحرف العريض المُلوَّن: «إن كان شبيهاً بصهريج ماء فهو عملياً كذلك، فاستهلاكه للماء خلال ستة أشهر يقارب 25 صهريج ماء على شكل أعلاف، جُلُّ هذه المياه من مصادر محلية غير متجددة. زراعة الأعلاف محلياً تستهلك أربعة بلايين متر مكعب سنوياً - ضعف الاستهلاك السكاني - واستيرادها من الخارج توفير للمال والماء». هذا الجهد التوعوي من الوزارة مهم ومطلوب، ونرجو أن يحقق النتائج المرجوة على صعيد ترشيد استهلاك المياه.. فنحن هربنا من زراعة القمح الذي يستهلك كميات هائلة من الماء لكننا انتهينا إلى مصيبة أكبر وهي زراعة الأعلاف التي تستهلك أربعة أضعاف ما يستهلكه القمح! ومن الملاحظ أنه على الرغم من هذه التكلفة المائيَّة العالية فنحن لم نحقق استفادة ملموسة من زراعة الأعلاف الخضراء وذلك على صعيد توفير اللحوم محلياً بأسعار مناسبة.. بل إن العكس هو الصحيح فقد ارتفعت أسعار اللحوم ارتفاعا باهظاً. إن استيراد الأعلاف واللحوم من الخارج هو توفير للماء والمال، كما جاء في الإعلان التوعوي، وذلك على مستوى الاقتصاد الوطني ومستقبل الأجيال القادمة كما أنه توفير لما في جيوب الناس الذين أنهكهم غلاء المواد الاستهلاكية وفي مقدمتها اللحوم. في الوقت الحاضر، هناك اختلاط وتداخل في أولويات استهلاك المياه في المملكة. وواقع الحال يشهد أن هذه الأولويات غير منطقية.. وهذا لا يعني ان الجهات المسؤولة في الدولة مقتنعة بها أو أنها لا تعمل على تغييرها لكنها تتعامل معها كواقع يصعب تغييره إلاَّ ربما في المدى الطويل. وبسبب هذا الاختلاط نجد أن قطاع الزراعة الذي لا يسهم في الناتج المحلي الإجمالي الكلي للاقتصاد السعودي إلا بنصيب محدود لا يتجاوز 3% يستهلك حوالي 85% من إمدادات المياه بالمملكة! وبسبب هذا الاختلاط، أيضا، نجد أن متوسط نصيب الفرد من استهلاك الماء في المملكة يعادل ضعف متوسط استهلاك الفرد عالمياً على الرغم مما هو معلوم من أن أراضي المملكة لا تضم أنهاراً ولا بحيرات.. ولا تتساقط فيها الأمطار كما هو الحال في العديد من دول العالم التي يقل فيها متوسط استهلاك الفرد من الماء عما لدينا. لقد سبق أن اُتخذت عدة إجراءات لترشيد استهلاك الماء، لكنها للأسف لم تحقق النتائج المطلوبة.. وهذا ما أكدته وزارة الاقتصاد والتخطيط في الخطة التنموية الأخيرة التي أقرَّتْ فيها بأن هذه الإجراءات لم تؤد إلى تراجع ملحوظ في استهلاك المياه على الرغم من أنها أدت إلى تقليص نسبي في المساحة المزروعة وفي حجم المحاصيل. إن المأمول، بعد هذا كله، هو مضاعفة الجهود لترشيد استهلاك المياه.. لأن الماء هو الحياة نفسها، وهو مستقبل البلد ومستقبل الأجيال القادمة، ولا خيار أمامنا سوى المضي قدماً في تنفيذ إجراءات الترشيد التي نبهت إليها خطط التنمية ومئات الدراسات والندوات والمؤتمرات. - الرياض