منذ زمن لم أتابع المسلسلات التلفزيونية حتى الجيد منها,, أو الذي يُجمع الكثيرون على جودته لعدة أسباب، أهمها: انها تستغرق الكثير من الوقت الذي لا أملكه,, والسبب الآخر ان المسلسلات المدبجلة المطولة جعلتني انفر كثيراً مما يسمى بالمسلسلات التي تحمل طابع تتابع الأحداث عبر حلقات والتي لابد لك من متابعتها لفهمها,, ليس هذا وحسب,, بل تكتشف ان هذه المسلسلات لا تحمل فكراً ولا قيماً انسانية تستحق المتابعة,, بل هي ضد ذلك تماماً,, ولكن جاء مسلسل (أم كلثوم) التلفزيوني لينسف كل هذه القناعات التي ركنت اليها نفسي زمناً لابأس به,, هذا المسلسل رائع بكل ما تحمله الكلمة من معنى,, بل جميل ومُربِك,, ولاتدري حقيقة سر انجذابك العميق له,, هل هو تلك الجودة والمتانة العميقة التي اتسم بها النص؟ ام جودة الاخراج الذي تألقت من خلاله المخرجة (إنعام محمد علي) أم هو ذلك الأداء المتميز الذي بدت فيه صابرين والذي ابدعت فيها الى حد كبير يفوق التصور الى الدرجة التي بدأت فيه ملامح أم كلثوم تغيب شيئاً لتحل محلها ملامح (صابرين),, هذا الشعور خلقته تلك القدرة الفذة لصابرين على تقمص شخصية أم كلثوم وتقديمها بصورة جذابة متألقة تجعلك تعيش كافة انتصاراتها واخفاقاتها (رغم ندرتها في المسلسل),, ليست هي وحسب,, بل استطاع كافة الممثلين اداء ادوارهم بصورة رائعة ومشرفة,, وربما يكون للأحداث والتحولات التاريخية في العالم العربي عامة وفي مصر خاصة التي عايشتها تلك الشخصية دور بعيد ايضاً في اضفاء جانب كبير من الأهمية والروعة على هذا العمل المتميز, وإلى جانب كل ماذكرت هناك القصائد الجميلة التي امتزجت واتحدث مع النغم لتصبح قطعاً فنية خالدة,. فلأحمد شوقي: سلوا قلبي غداة سلا وطابا لعل َّ على الجمال له عتابا ويسأل في الحوادث ذو صوابٍ فهل ترك الجمال له صوابا؟ ولأحمد رامي ذلك الشاعر العاشق الذي تعاطفت معه كثيراً: أيها الفلك على وشك الرحيل ان لي في ركبك الساري خليل ولبيرم التونسي وجورج جرداق وغيرهم ممن ساهموا في صناعة وترويج ذلك الصوت الأسطوري الذي يبدو وكأنما قدم من أعماق البحر,, اخيراً اقول بأن العمل الفني الجيد هو ذلك الذي يفرض نفسه ببساطة ويتسلل بتلقائية الى نفوس المشاهدين ليصبح احد وجباتهم اليومية الرئيسية وأحد المواضيع الهامة والحاضرة دائماً في حواراتهم والباقية ابداً في القلب والذاكرة.