ان وليم فوكنر هو صيحة في وجه الشر الذي يكاد يكون عاماً في جانبي الانسان الخفي والمعلن ولذلك هو يركز على نقاط الشر في هذين الجانبين ويبديها في أشكال مختلفة في محاولة منه للبحث عن عفة الانسان المفقودة وهو ينطلق من واقع هو الأقرب اليه من أي واقع آخر. هو واقع وبيئة الجنوب الأمريكي وبشكل خاص اقليم يوكنا تاوما وعاصمته جيفرسون، وهو أكثر الأقاليم الأمريكية تناقضاً من حيث العلاقات المتبادلة بين السكان، فيمكن أن نرى أشكال النظام العبودي بصور مختلفة بين هؤلاء الذين يتكونون من الاقطاعيين البيض، والهنود الحمر، والعبيد، وجنود الحرب الأهلية، وسيدات المجتمع المتقدمات في السن، والمبشرين والفلاحين وطلاب الجامعات, بل يقترب فوكنر أكثر من هذا فيسلط الضوء على تاريخ عائلته الذي هو جزء لا يتجزأ من تاريخ المكان، فقد كان جده الأكبر مالكاً لاحد خطوط السكك الحديدية وكان رئيساً لإحدى مجموعات الحرب الأهلية وبالتالي تفرع الأولاد منه فشغلوا اماكن حساسة في بلدهم حيث ان جد فوكنر كان محامياً ومدير بنك, ان فوكنر استطاع ان يجمع كل الوثائق المتعلقة بتاريخ عائلته في مصادر موثوقة ولكنه في النهاية رفض هذا التاريخ وتمرد عليه وقرر أن يكون الناقد اللاذع لهذه البيئة بصورة عامة في محاولة جادة منه للتمسك بالفضيلة والنزاهة البشرية,, لقد انطلق في هذه النقطة نحو العالم. عندما يُذكر اسم فوكنر لابد ان يذكر اسم روايته الشهيرة, الصوت والغضب والواقع فان هذه الرواية تكاد تلخص مشروعه الفكري الروائي وفيها يرى ان الانسان الذي يمارس طبائع غير سوية على غيره فإنها تنعكس عليه بشكل من الأشكال، فما يمارسه على غيره يتم ممارسته عليه, اننا نقف في عالم مدهش من الشخصيات الغرائبية في هذه الرواية وهي تدور حول أسرة كومبسون التي رأى البعض بانها اسرة فوكنر نفسه كوبنتن يبحث عن طريقة تسهل عليه عملية الانتحار. أما شقيق كوبتن الذي يعمل حّداداً فانه يسرق النقود التي ترسلها معه اخته كانديس الى ابنتها غير الشرعية فتأتي صديقته لتسرق بدورها المال منه وتهرب مع شخص آخر، في هذا الصراع تكون المسز كومبسون غارقة في عالم الماضي الذي ولى وكلما تخفق العائلة وتنهار فإنها تزداد تمسكاً بمجد الماضي ومن كل هذه الشخصيات يقدم فوكنر شخصية واحدة ناضجة وحكيمة وعفيفة هي ويلزي المرأة الزنجية المتقدمة في السن وكان فوكنر يرمز بأن العفة قد بلغت الشيخوخة في بيئة الرواية. لقد عاش فوكنر حياة ليست طويلة 1897 1962 ولكنه استطاع ان يحقق شهرة عالمية كبيرة تتوجت بنيله جائزة نوبل للآداب 1948م. وكان مزاجيا سريع الكتابة يمقت الالتزام فقد ترك الدراسة في المرحلة الثانوية ولم يستطع دخول الجيش بسبب وضعه الصحي والجسدي فقد كان قصير القامة يكاد جسده الهزيل يسقط تحت ثقل أفكاره التي في رأسه اويظن الناظر اليه ذلك, كتب روايته الأولى: أجور الجنود عام 1926م، أما روايته الشهيرة الصوت والغضب فكانت عام 1929م ونور في آب عام 1932م واللا مهزوم عام 1934 والنحلات البرية 1939م, ومتطفل في التراب 1948م. وقد كتب روايته بينما أرقد محتضرة 1930م في ستة أسابيع صيفية خلال ساعات الثانية عشرة من منتصف الليل الى الرابعة صباحاً اما تركة فوكنر عند وفاته فبلغت 19 كتاباً بين الرواية والقصة القصيرة ويُذكر ان الروائي الشهير ألبير كامو أعد له رواية للمسرح وتم تمثيلها في المسارح الفرنسية والأوروبية.