ظل الكاتب الأمريكي العظيم (وليم فوكنر ) طوال مشروعه الروائي فى الطرف الأخير من السرد التقليدي ،بل إنه فى الحقيقة، كان الركن الأساسي بين كتاب العالم الذين اجادوا بامتياز استخدام الصوت الداخلي فى اعماله. كان أحد المجددين الكبار لكتابة رواية حداثية بامتياز. بدأ الكتابة فى عصر يكتب فيه هيمنجواي وشتاينبك و ريتشارد رايت وجيرترود ستاين ، وملفيل وقد انجز موبي ديك. وعلى الطرف الآخر من الغرب، كان اليوت يكتب اربعاء الرماد. وايزراباوند يقدم تجربته الشعرية الجديدة. وفرويد ويونج يقتحمان عالم النفس الداخلي ويتحاوران مع اللاوعي. ويكشف فيها مارسيل بروست احجيته في البحث عن الزمن الضائع. والأصداء التي تأتي من روسيا حاملة تشيكوف وديستوفكي. وسطوة السورياليين. وتأثير رامبووكافكا. كان الجنوب الأمريكى مكانا لابداع فوكنر، وساحة لموضوعه الأثير . بشر الجنوب من العبيد السود، الذين يواجهون هؤلاء البيض الذين يمثلون لهم اللعنة، ويشكلون لهذ الجنس المستباح، قيم الاستعباد والتبعية والانحطاط!! لقد عاش فوكنر عبر ماضي يزدحم بذكريات الجنوب، وعبر هذا الماضي قدم أعماله كأنها رويات خيالية، تحتشد بالأساطير والخرافة الشعبية، والاحساس العميق بما جرى في الماضي، وعاش بإحساسه الدائم انه الكاتب الجدير في الكتابة عن عشيرته التى ينتمي لها!! عندما سأل احد الطلاب فوكنر فى محاضرة يلقيها عليهم : اي من رواياته يعتبرها الأفضل ؟ فأجابه : إن رواية (بينما ارقد محتضرا) انما هي اسهلها وأكثرها امتاعا، أما(الصخب والعنف) فلا تزال تحرك مشاعري. واستمرت تلك الرواية احدى الرويات المهمة فى القرن العشرين التي كتبت تحت ضغط المأساة ، والإحساس بالفناء ، والانهيار لعوالم قديمة تغادر الفضائل ، وتبحث عن خلاصيها. ان تاريخ اسرة كومبسون ، فى مدينة جيفر سون يقوم على تلك الأسرة التي تنتظر فناءها . كونتن طالب هارفارد يحب شقيقته كاندي جاسن الأخ الكبير، الطماع، الذى بلاقيم، الذى يباشر باقتدار هدم تاريخ العائلة. بنجي المعتوه الذى يحمل حكمته، وتشوش وعيه، وعشقه لأخته المحرم، وكراهية جاسن للجميع، ودلزي الزنجية من الذين بقوا بعد المأساة، والأم آخر المطاف تطوف على صفحة ذكرياتها ..الراحل زوجها كشبح !! ..يخصي جاسن اخاه الأهبل . ينتحر كونتي . ودلزي تغادر .يرحل الزنوج . يضع جاسن شقيقه المعتوه في مستشفى المجاذيب ، ويحل الخراب . يباع البيت ، والريح تصفر !! قال الراحل جبرا ابراهيم جبرا، في مقدمة ترجمته لرواية (الصخب والعنف) انها رواية الروائيين . (ان التركيب الفنى فى الصخب والعنف مازال فى جماله وبراعته معجزة للخيال ). تعتبر (تونى موريسون ) الحاصلة على جائزة نوبل عام 1993 ، من أكثر المتأثرين بعالم فوكنر ، وفي اطروحتها عنه ( الانتحار في رواية وليم فوكنر وفرجينيا وولف ) ذكريات تأثيرهما على روياتها : (جاز)و( نشيد سليمان) و(محبوبة) . وكان الروائي الكولمبى جارسيا ماركيز لايني يزور الأماكن التي عاش فيها (وليم فوكنر) ، والتي احتفظت بذكرياته . وكان دائما ما يذكر ماركيز في أحاديثه (اذا كانت رواياتي جيدة فهو لسبب واحد هو انني حاولت اتجاوز فوكنر في كتابة ماهو مستحيل وتقديم عوالم وانفعالات، ولكن لم أستطع ان اتجاوز فوكنر ابدا ، الا أنني اقتربت منه ). ولد فوكنر عام 1897 . عاش معظم حياته في الجنوب، ونشأ فى مقاطعة المسسيبي ، ولم يكمل تعليمه، بعدها أنطلق فى الحياة يبحث عن الدهشة، وما يثري تجربته ، فاشتغل نجارا ودهانا وموزع بريد . كتب ديوانا من الشعر لم يحقق اي نجاح . ثم كتب اعماله الخالدة : الصخب والعنف ، النور في اغسطس، وراتب الجند ، وبينما ارقد محتضرا ، والدب ، وابسالوم ابسالوم، وغريب فى المقبرة. رحل في عام 1960. ترك لنا شخصيات لاتنسى .بينجي .وجاسون. وديلزي . ودارك. ولينا جروف . وستبن . وكل عائلة سنوبس . ولاعب السيرك اليهودي .