بالأمس ودعنا رمضان، شهر القرآن والصيام والصدقات والعبادات والوصل والتواصل بين المسلمين، فكم رأينا من مظاهر ندب إليها الإسلام الحنيف، فالقرآن صار يُتلى آناء الليل وأطراف النهار، والأذكار تتردد على الألسنة دون انقطاع، وصلوات يعمرها الخشوع والتذلل بين يدي الخالق، واختفى الشح عن النفوس وجادت الأيدي بالبذل والعطاء هنا وهناك، تمثل ذلك في الصدقات وصلة الأرحام وتفطير الصائمين، وصفت النفوس وزكت لخالقها، فاختفى الجحود وعلت دلائل الإيثار على الوجوه، فتسابق المسلمون ينهلون من معين شهر الصيام رهبة ورغبة في الأجر والثواب من الله، فهنيئاً لمن قام رمضان إيماناً واحتساباً، والعزاء لمن فاته دون تقديم شيء يذكر، فهذه المواسم التي يتنافس المسلمون فيها للظفر برضى الخالق تمر على البعض دون أن يعمرها بالتهجد والدعاء وتلاوة القرآن وتغدو الخسارة أكبر لمن فاتته ليلة القدر (ليلة القدر خير من ألف شهر) أو شغل وقته كله أو جله أمام الشاشات فإلى هؤلاء نقول لا تيأسوا من رحمة الله فلا يزال باب التوبة مفتوحاً فهل نبادر قبل تلاشي فسحة الأمل التي يتمسك بها البعض فإن الموت وغرغرته لم يعد كما هو معروف في السنين الماضية، ففي هذا الزمن استجدت أسباب ما كانت موجودة كحوادث الطرق والسكتات القلبية والجلطات وأيضاً الأمراض المزمنة التي تعيق اصحابها عن تأدية واجباتهم الدينية وهنا مكمن الخوف من أن يقع الإنسان في أيٍّ من هذه الابتلاءات ورصيده خالي الوفاض فلا زاد أدخره لآخرته فينمو له في حالة سقمه، بل ربما جر على نفسه تراكمات من الأخطاء تغدو وبالاً على فاعلها فالفعل إن تعدى لغيره اقتسم صاحبه مع ذلك الغير ما جناه من آثام إن لم يبوء بها وحده تبعاً لدرجة وخطورة تلك الأعمال وبلوغ أصحابها درجة التكليف. فهل نعي نتيجة ذلك ونسير في الاتجاه الصحيح دون أن نعطي لهوى النفس منافذ إلى دواخلنا وهذه واحدة من مجموعة توصف بالأعداء التي توقع أصحابها في المحذورات وما أكثرها في عالم اليوم بعد أن تواصلت قارات العالم أرضه وبحره وسماؤه بفعل التقنيات ووسائل الاتصال الحديثة فالمشاهدة صارت ميسورة والانتقال من بلد لآخر مقدور عليه أيضاً لتوفر الوسيلة من ناقل ودليل ومال وهي مغريات يحسن استغلالها في العمل المفيد مبتعدين عن جانب السلبيات إذ ليس من الممكن أن يتخلى أحد عن هذه المستجدات لتلازمها مع دورة الحياة لدرجة التماسك ويبقى المحك للسلامة من أضرارها وسلبياتها منوطاً بفكر الإنسان نفسه حيث أُعطي العقل وبه يميز، فيأخذ ما يفيده وينبذ ما سواه، فهل نعي دورنا كمسلمين، وأخص الشباب أمل الأمة ومناط رجائها، مع تلك المستجدات وتقارب العالم وتشابك المصالح من عولمة وتجارة حرة ولربما ظهرت أشياء أخرى تقرب العالم من بعضه أكثر فأكثر. أعود ثانية لتأكيد حقيقة لا أخالها تخفى على أحد وهي أن شهر رمضان مدرسة يتخرج منها المسلم بحصيلة وافرة من الخصال والمعاني والشمائل الحميدة ذكرنا بعضاً منها في بداية هذا الحديث من بر وصدقة وصلاة وصلة رحم وتلاوة وتسامح، ويبقى السؤال فيما إذا كانت هذه الخصال الحميدة ستستمر معنا؟ إنها اشراقات روحانية نحتاجها مع شمس كل يوم لتستقيم الحياة ويظل العطاء متدفقاً. نقول لعل وعسى أن تبقى القلوب نابضة بتلك الومضات الجميلة المستمدة من ينابيع الدين الإسلامي الذي عرف بسماحته ونقائه وصفائه، ويبقى تذكير الأحبة ممن كانت لهم تصرفات غير محمودة كالتدخين، فهم خلال أيام الصوم استطاعوا اعتزاله والصبر عنه وقد أدركوا مخاطره وما يجره على القلب والرئة والكليتين من أضرار وما يتركه على الفم والأسنان والصحة بشكل عام من مشاكل يصعب حصرها أقول ليتهم يستفيدون من درس رمضان ليحموا أنفسهم من غول التدخين وتبعاته. وكل عام وعزيزتي الجزيرة وشعبنا والعالم الإسلامي بخير وعافية.