يقف بعض رجال الشرطة حاملين رشاشات كلاشينكوف، ليشاهدوا عاجزين القنابل تمطر على غزة. فقد واصلت طائرات اف16 الإسرائيلية طوال الليل الغارات على مباني قوى الأمن الفلسطينية فدمرتها الواحد تلو الآخر زارعة الذعر في نفوس السكان الذين أخلوا شوارع المدينة. وسقطت القنبلة الأولى في غزة قبيل الساعة العاشرة من ليل الاربعاء الخميس، كرة نارية ضخمة أصابت مبنى للشرطة البحرية، تلاها انفجار هز زجاج النوافذ في دائرة واسعة. ولم يفاجأ السكان بهذه الغارات الجديدة بطائرات اف 16، فكانوا يتوقعون عمليات رد بعد العملية الفلسطينية الفدائية على باص للمستوطنين في الضفة الغربية والعمليتين الاستشهاديتين على مستوطنتين في قطاع غزة. غير ان الغارات استمرت هذه المرة طوال الليل وظلت الطائرات تحلق دون انقطاع فوق المدينة. وقف السكان في بادئ الأمر يشاهدون القصف، وكان بعض الشبان يعقبون على سقوط كل قنبلة هاتفين «الله أكبر»، لكن كثافة القصف أرغمتهم في نهاية الأمر على إخلاء الشوارع. وأسدلت المتاجر ستائرها الحديد وانقطع التيار الكهربائي في بعض المناطق، في حين عمد الناس في مناطق أخرى إلى إطفاء الأضواء في منازلهم، حتى خيمت الظلمة على أحياء كاملة. وكان غبار كثيف ينتشر في الهواء بعد كل انفجار، غبار تحاول كشافات السيارات القليلة العابرة اختراقه. يقول موظف الاستقبال في فندق على شاطئ البحر والغضب يملأ صدره «اعتقد انهم يريدون هدم كل ما يمثل السلطة الفلسطينية» موضحا انه لم يعرف حتى الآن مثل هذا القصف الكثيف. يصل الجرحى بأعداد قليلة إلى مستشفى الشفاء في غزة، معظمهم أصيب بشكل غير مباشر في الانفجارات وإصابته طفيفة، غير ان مدير قسم الطوارئ أفاد ان الأطباء يستقبلون كذلك «عشرات الأشخاص المصابين بصدمات ويعانون من اضطرابات نفسية». هناك أيضا امرأة في الأربعين استشهدت في نوبة قلبية من جراء هذا العدوان الجديد. يتبادل الجميع آخر المعلومات حول المواقع التي تستهدفها الغارات، بعدما استمعوا إليها أحيانا من أجهزة اللاسلكي الخاصة برجال الشرطة. ومع مرور الوقت تتضاعف الانفجارات، أحيانا يخيم هدوء يخال الناس معه ان الغارات توقفت، غير انها مجرد مهلة تقوم خلالها طائرة استطلاع بوضع خطة هجوم جديدة أو تقيم الأضرار. السكان اختبأوا نهائيا في منازلهم، والذين يسكنون في محيط مراكز الشرطة التي تمثل الهدف الأول لطائرات اف16 لا يجرؤون حتى على الاقتراب من النوافذ خشية التعرض لشظايا. ساحة فلسطين في قلب وسط المدينة باتت مقفرة في حين تغص عادة بمئات من سكان غزة الذين يقصدونها لتناول الطعام واللهو والتسلية معا بعد الإفطار. واصلت الطائرات عند الفجر التحليق في أجواء المدينة قبل الاقتراب وسط هدير مروع لإلقاء قنبلة جديدة. يقول شاب فلسطيني بمرارة «لم يعد هناك سلام، يمكننا ان نودع السلام».