سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مؤتمر بون أعطى أنصار الشاه:رئاسة الحكومة والبرلمان وثلث الإدارة المؤقتة وتحالف الشمال: الإدارة العسكرية والأمنية في البلاد مستقبل أفغانستان بعد مؤتمر بون
بعد ثماني أيام من الشد والجذب وقعت الفصائل الافغانية على الاتفاق النهائي بشأن تقسيم السلطة في اطار الحكومة الانتقالية التي تدير شؤون افغانستان لحين عقد اجتماع للمجلس الافغاني التقليدي (اللوياجيرغا) واقرار دستور جديد بهدف اجراء انتخابات عامة واختيار حكومة موسعة للبلاد، ودخلت اربعة فصائل في هذا المؤتمر تمثل تحالف الشمال وأنصار الملك ظاهر شاه، ومجموعة قبرص الممثلة للهزارة، ومجموعة بيشاور الممثلة للبشتون. فما هي حسابات المجموعات الاربعة في مؤتمر بون..؟ وهل الحكومة المؤقتة بإمكانها حفظ السلام في افغانستان؟ وهل يمكن ائتلاف كامل بين تحالف الشمال وانصار ظاهر شاه..؟ وما موقف البشتون بعد التهميش الكامل في المؤتمر والحكومة؟ وما هي توازنات القوى الاقليمية كالهند وروسياوايرانوباكستان تجاه الحكومة القادمة؟ وهل سيغيب طالبان عن الساحة السياسية أم يظل شبح طالبان يهدد الحكومة القادمة؟ تمثيل ناقص بدأ مؤتمر بون للفصائل الافغانية في اجواء تسودها الحرب ضد بقايا الطالبان، وفي ظل سيطرة تحالف الشمال على 80% من الاراضي الافغانية، الأمر الذي شجع قائده رباني في البداية برفض أي مؤتمر يناقش المسألة الافغانية خارج كابول، لكن بات موقفه ضعيفا مع ضغوط امريكاوايرانوروسيا والهند وبعض قادة التحالف امثال عبدالله عبدالله ويونس قانوني. ضم المؤتمر أربعة فصائل أولها مجموعة الجبهة المتحدة، والتي تمثل تحالف الشمال بقيادة رباني، وجاء تمثيلها قويا منذ البداية انطلاقا من سيطرتها العسكرية على كابول، هذا بجانب اعتراف الاممالمتحدة والدول الغربية برباني كرئيس لأفغانستان منذ ان خلعه طالبان. وجاءت مجموعة روما بقيادة الملك السابق ظاهر شاه المخلوع منذ 1978 قبل الانقلاب الشيوعي في افغانستان، والذي يملك انصاره تأييدا ملحوظا من الشعب الافغاني وبعض قادة تحالف الشمال، وثالث المجموعات متمثلة في مجموعة قبرص التي تمثل قبائل الهزارة واللاجئين الافغان في الخارج وتملك تأييدا كاملا من ايران نتيجة الترابط المذهبي والعرقي، ورابع تلك المجموعات هي مجموعة بيشاور التي تمثل الاغلبية الباشتونية (اكثر من 50% من سكان افغانستان) ويأتي على رأسهم حاجي عبدالقادر رئيس المنطقة الشرقية وبيرسيد جيلاني وستة اعضاء آخرون هم الممثلون فقط لتلك الاغلبية العرقية، التي جاء تمثيلها إرضاء لباكستان بالدرجة الاولى. وبالنظرة لتلك المجموعات نجدها تمثيلا غير موضوعي للشعب الافغاني، فتحالف الشمال ممثلا للطاجيك والأوزبك والهزارة، أي ما يقرب من 40% من سكان افغانستان كان تمثيلهم يفوق الباشتون هذا بجانب السجل العسكري السيىء لتلك القوات تجاه المدنيين الافغان وعلى طرف النقيض نجد مجموعة روما بقيادة الملك ظاهر شاه الذي عاد بعد غياب أكثر من عشرين عاما أملا في دور سياسي فعال في الحياة الافغانية، حيث ظل بعيدا عن الشؤون الافغانية وظهر جيل جديد من الافغان لا يتذكرون ما يراه الملك انجازا سابقا في حكومة البلاد مما يقلل شعبيته هو وأنصاره بالرغم من التأييد الغربي الشديد له. وحتى مجموعة بيشاور التي من المفترض انها تمثل الاغلبية الباشتونية لا تلاقي تأييدا كافيا من الباشتونيين وخصوصا الموالين لطالبان، مما يجعل هناك تمثيلا غير فعلي لتلك الفصائل التي لم تعبر تماما عن اغلبية الشعب الافغاني. حسابات الفصائل شاركت تلك المجموعات الأربع وكل منها تضع خطوطا حمراء لا يمكن تجاوزها وأهدافا ترغب في الحصول عليها، فالتحالف الشمالي بات رافضا التخلي عن رئاسة رباني ورافضا مبدأ توزيع السلطة على أساس التمثيل العرقي في أفغانستان اعتراضا على دخول الباشتون بقوة في الحياة المستقبلية لأفغانستان، بجانب اعتراض رباني على أي دور فعال لظاهر شاه في شؤون البلاد، وطمع تحالف الشمالي بالاحتفاظ بالوزارات السيادية كالدفاع والداخلية، وكذلك الاشراف الكلي على برامج اعمار افغانستان والتي تدعمها الاممالمتحدة والدول المانحة وكانت هذه تقريبا أجندة الطلبات التي حملها يونس قانوني وزير داخلية التحالف والتي لاقت اعتراضا شديدا وتفاوضا ملحا مع باقي الفصائل. وعلى العكس جاءت حسابات الملك ظاهر شاه الذي شارك أنصاره الطامعون في لعب دور سياسي فعال في افغانستان، وتبلورت آمال مجموعة روما في اعتلاء ظاهر شاه للحكم مرة اخرى بالرغم من معرفتها المسبقة باعتراض تحالف الشمال، واستطاعت اقتناص اكثر من ثلث السلطة ورئاسة الحكومة والبرلمان. وجاءت آمال مجموعة قبرص هزيلة متناسبة مع امكانياتها السياسية والعددية فأنصارها مزيج من ضباط سابقين ومثقفين موزعين بين قبرصوايران وأوربا ولا يتمتعون بشعبية حتى داخل مجموعتهم العرقية، وجاء تمثيلهم ارضاء لإيران بالدرجة الاولى، وعلى النقيض جاءت طموحات مجموعة بيشاور كبيرة لكن سرعان ما تحطمت في اولى جلسات المؤتمر بعد ان اقتصر عدد الوفد على ثمانية اشخاص فقط انسحب منهم الحاجي قادر زعيم المنطقة الشرقية، فقد احس انصار تلك المجموعة بالتهميش الكامل خاصة مع الغاء اللغة الباشتونية للحوار داخل قاعات المؤتمر، مما حطم آمالهم في الحصول على المناصب السياسية البارزة أو رئاسة الحكومة كما كانت تعدهم امريكا قبل وأثناء الحرب باعتبارهم الاغلبية السكانية. نتائج بون انتهت الوفود الاربعة بالتوقيع على مسودة السلطة الانتقالية والتي تقضي بتولي عبدالستار سيرات وزير العدل السابق في حكومة ظاهر شاه وكبير مستشاريه، وهو استاذ جامعي يعيش في المملكة العربية السعودية ويحظى بقبول في أوساط انصار الملك وتحالف الشمال، وجاء اختيار سيرات من بين اربعة افراد رشحتهم الوفود لتولي رئاسة الادارة الانتقالية في البلاد متمثلين في الزعيم البشتوني حميد كرزاي والرئيس الافغاني السابق صبغة الله مجددي والزعيم البشتوني سيد جيلاني. وبذلك حقق انصار الملك ظاهر شاه مكسبا هاما غير متوقع وخاصة عندما أسند للملك شاه دور رمزي في افتتاح انعقاد جلسات مجلس (لوياجيرغا) وتشير الدلائل لاحتلال انصار الملك اكثر من ثلث المقاعد في الحكومة والادارة الانتقالية وبذلك تسند معظم الامور الادارية والسياسية لمجموعة ظاهر شاه. في حين تظهر النتائج انفراد التحالف الشمالي بالشؤون العسكرية والأمنية فقد تركت له وزارة الدفاع وما زالت باقي الشخصيات السياسية تنتظر دورا في الوزارة المؤقتة التي تضم 23 وزيرا وخمسة نواب للرئيس وما زال الخلاف قائماً حول اعضاء تلك الادارة المؤقتة وكيف يتم توزيعها على المجموعات الاخرى وخاصة في ظل تهميش الباشتون في المناصب الادارية العليا والتي جاءت النتائج مخيبة تماما لهم، فقد خسروا في البداية والنهاية. ولعل النتائج تلقي بظلالها على خلق دور سياسي جديد للمرأة في الحياة الافغانية مع احتمال تعيين فاطمة جيلاني زوجة البروفسور انور الحق أحادي عضو الوفد البشتوني ضمن نواب الرئيس سيرات معا قد يضيف نقطة قوية لحساب الباشتون. تناقضات والحكومة الافغانية المؤقتة تحوي في ذاتها العديد من التناقضات والتي من شأنها التقليل من قدرتها على حكم البلاد فالتهميش الذي لاقته مجموعة بيشاور التي من المعتقد انها تمثل أكثر من نصف سكان البلاد (الباشتون) يجعل من الصعوبة القبول التام لهذه الادارة خاصة في ظل سيطرة الباشتون على المناطق الجنوبية والحدود المتاخمة مع باكستان، وفي ظل الخلاف الباكستاني السابق مع تحالف الشمال والملك ظاهر شاه، مما يزيد من فرص التقارب الباكستاني الباشتوني من جديد وامكانية خلق طالبان آخر. ومن الواضح ان المجموعات الثلاث ما زالت لا تثق في رباني ورهنوا عودتهم بتواجد قوات حفظ سلام دولي يمكنها تأمين عودتهم لأفغانستان وضمان عدم تمرد الباشتون مرة ثانية، لكن من الواضح ان الاممالمتحدة تخشى ارسال تلك القوات واشترطت ارسالها بطلب رسمي من الادارة المؤقتة وبأغلبية اعضائها. ويزداد التناقض اذا تعرضنا لطبيعة التحالف الشمالي والذي ظل طيلة 6 سنوات مناهضا لطالبان ويتلقى مساعدات عسكرية ومادية من روسيا والهند وايران، واليوم بعد وصوله للسلطة جاء دوره ليدفع فاتورة تلك المساعدات، وهو ما يوجد تعارضا صارخا في مصالحه الداخلية والخارجية وتوازاناته السياسية مع باكستان من ناحية والولايات المتحدة التي جاءت به للحكم من ناحية اخرى كما قد يخلق تناقضا صارخا داخل الحكومة الجديدة. وعلى الصعيد الداخلي يزداد التناقض مع تولي انصار ظاهر شاه الشؤون الادارية والسياسية في ظل سيطرة التحالف على الشؤون العسكرية، مما يجعل الأمر صعبا على الحكومة القادمة وتجنبها لأي تعارض وتصادم مع التحالف وأنصاره حتى لا تحدث انشقاقات جديدة داخل الحكومة ويجد ظاهر شاه وأنصاره انفسهم في سجن التحالف مع أسرى طالبان او يرجعون للمنفى مرة ثانية!! ومما يزيد من تلك التناقضات احتدام الصراعات الداخلية، فالتحالف يحوى طوائف الطاجيك والهزارة والاوزبك، وهو ما يزيد درجة تلك الصراعات والتي ظهرت جليا في الخلاف بين قوات رباني وقوات عبدالرشيد دوستم (ممثل الاوزبك في التحالف) عند دخول قندوز ومزار الشريف والسيطرة على الادارة محل طالبان وظهر كذلك في موقف رباني منذ البداية من مؤتمر بون والذي اعلن عن رفضه لأي مؤتمر خارج كابول مما صعد الامر بينه وبين قانوني وزير داخليته وأعلن في بون انه سوف يبرم الاتفاق مع الفصائل دون اهمية لموافقة رباني ومشيرا انه يعمل لصالح الشعب الافغاني وليس لصالح بعض الاشخاص. ومن الواضح ان تلك التناقضات كافية لانقسام الحكومة الانتقالية وعودة صراع السلطة وخاصة عند تطبيق نتائج بون على ارض الواقع وهو بدوره يؤدي لخيارين لا ثالث لهما: اما عودة الاطراف المتنازعة لبون مرة ثانية وإما عودة الصراعات على السلطة كما كان قبل طالبان وهو حتما ما يؤدي لظهور طالبان آخر اكثر قوة وصرامة وخاصة في ظل تهميش سياسي واضح للباشتون لكن ربما تصبح الضغوط الدولية خاصة الامريكية هي الضمان الوحيد لنجاح اتفاق بون غير ان الرهان على الخارج لم يكن يوما مؤشر نجاح او استقرار.