كانت الحلقات الثانية والثالثة والرابعة من هذه القراءة مركّزة على الفصل الثاني من الكتاب وهو الذي خص أكثره للحديث عن علاقة العجمان بالدولة السعودية الأولى, وفي هذه الحلقة تتناول القراءة الفصل الثالث؛ وعنوانه (الدولة السعودية الثانية والعجمان). قيل (ص 51): في عام 1245ه خرج محمد بن عريعر وأخاه (وصحتها وأخوه) ماجد بن عريعر من الأحساء بأتباعهم وقبائلهم من بني خالد، وقصدوا نجد (وصحتها نجداً) لمحاربة الإمام تركي, فلما علم الإمام تركي بذلك سار بجيشه مع ابنه فيصل ومعهم من البوادي سبيع والعجمان وغيرهم، ودارت معركة السبية، وانتصر الإمام تركي, ثم دخلوا الأحساء وهرب بني (وصحتها بنو) خالد وخاصة الرؤساء . وأشير في الهامش إلى أنه أعتُمد في ذلك على ابن بشر، وآل عبدالقادر، والعثيمين, وما قاله ابن بشر وهو المصدر لكل من آل عبدالقادر والعثيمين عن تلك الحادثة هو: سار محمد بن عريعر وأخوه ماجد بأتباعهم من بني خالد وغيرهم لمحاربة الإمام تركي في نجد، وسار معهم فهيد الصييفي رئيس سبيع ومعه جملة من عربانه، ومعهم أيضاً فدغم بن لامي وفراج بن شبلان ورؤساء المقالدة من مطير وكثير من عربانهم وضويحي الفغم رئيس الصهبة من مطير وعربانه، ومعهم مزيد بن مهلهل بن هذَّال وجملة من عنزة، ومطلق بن نخيلان رئيس بني حسين وعربانه وغيرهم من أخلاط البوادي,, فلما بلغ تركي بن عبدالله خبرهم أمر أتباعه من أهل العارض والجنوب والوشم وسدير والقصيم وجبل شمَّر ووادي الدواسر، واستنفرهم مع ابنه فيصل، وأمر أتباعه من العربان بأن يغزوا معه؛ ومنهم مطلق المصخ وأتباعه من سبيع وعساف ابو اثنين وأتباعه من سبيع أيضا وضويحي بن حزيم بن لحيان رئيس السهول وأتباعه ومحمد بن هادي بن قرملة وأتباعه من قحطان وغيدان وأتباعه من آل شامر والعجمان وسلطان بن قويد رئيس الدواسر وأتباعه, فسار بهم فيصل حتى تقاتل مع خصومه, وفي أثناء المعركة مات ماجد بن عريعر، فأرسل فيصل إلى أبيه يبشره بذلك، فركب تركي مع شرذمة من خدمه ورجاله، واستنفر ابن وريك رئيس آل عاصم من قحطان، ووصل إلى ابنه حيث ضرب خيمته قبالة خيمة محمد بن عريعر, فوقع الفشل في صفوف محمد ومن معه، ثم انهزموا, ولما فرغ تركي من تقسيم الغنائم توجه إلى الأحساء، وحاصر محمد بن عريعر في قصرها حتى خرج منه مستسلماً، وعامله الإمام بلطف, وبذلك عادت الأحساء مرة أخرى إلى الحكم السعودي. وهكذا يتضح من كلام ابن بشر المفصَّل حجم القوات التي كانت مع زعيمي بني خالد وتنوّع انتمائها القبلي، كما يتضح حجم القوات التي كانت مع فيصل بن تركي؛ حاضرة وبادية, وهذا لا يتفق مع ما ذكر في كتاب تاريخ قبيلة العجمان، الذي تتناوله هذه القراءة, وبالاضافة الى ذلك فإنه يفهم مما قيل في هذا الكتاب أن القوات التابعة للإمام تركي انطلقت بقيادته هو لصد حملة بني خالد. وهذا غير صحيح؛ إذ كانت بقيادة ابنه فيصل, وقيل: هرب رؤساء بني خالد من الاحساء, وبما أنه قد ذكر اسما اثنين من هؤلاء الرؤساء؛ وهما محمد بن عريعر وأخوه ماجد، فإن ما قيل غير دقيق, فماجد قد مات والمعركة دائرة بين الطرفين ومحمد استسلم لفيصل، وعومل بلطف. قيل (ص 52، ه 1): استغل داود باشا والي العراق ضعف الدولة السعودية وانشغالهم (والأصح انشغالها) برد الغزو المصري فاستولى على الأحساء, ونجح في الحيلولة دون تعرُّض المصريين للأحساء بعد أن استحصل مرسوماً من السلطان ببقاء الأحساء تحت سيطرته, إلا أن السعوديين لم يلبثوا أن استعادوا شيئاً من قوتهم، فحاولوا استرداد الأراضي التي فقدوها, وقد نجحوا في عام 1246ه في عهد الأمير تركي في استعادة الأحساء وانتزاعها من المماليك). وأشير إلى أنه قد اعتُمد في ذلك على حسن السوداني في كتابه العلاقات . ومما يلفت النظر هنا: أ أنه أشير إلى استخدام كتاب السوداني هنا، لكن لم يوضع في قائمة المراجع آخر الكتاب. ب يفهم من أول الكلام السابق أن داود باشا قد استولى على الأحساء حين انشغال الدولة السعودية الأولى بصدّ حملة محمد علي باشا؛ أي قبل نهاية تلك الدولة, وهذا غير صحيح. ج مع أن داود باشا قد أسندت إليه مهمِّة المحافظة على منطقة الأحساء فقد كان حكامها عملياً وحقاً زعماء بني خالد، وتركي بن عبدالله استردها من أولئك الزعماء، ولو كان داود يحكمها فعلاً لكان من الممكن أن ترد الدولة العثمانية عسكرياً على ذلك الانتزاع. د أنه قيل: إن داود نجح في الحيلولة دون تعرّض المصريين للأحساء, وهنا تجاوز في التسمية, فالجيش الذي انطلق من مصر في تلك الفترة كان قادته والموجه له غير مصريين, على أن الأهم من هذا هو أن أحد القادة التابعين لإبراهيم باشا قدم إلى الأحساء بعد الاستيلاء على الدرعية، وقتل عدداً من أتباع الدرعية؛ وبخاصة من اشتهروا بنشاطهم الديني، كما صادر ما وجده من أموال تابعة للدولة السعودية الأولى, فالقول بأن داود باشا حال دون تعرّض المصريين أو بالأصح قوات محمد علي باشا للأحساء قول لا ينطبق مع ما وقع. قيل (ص 54): وفد على الإمام فيصل في الأحساء بعد انسحابه من الرياض إلى هناك سنة 1253ه رؤساء القبائل من مطير والعجمان وسبيع وغيرهم, ثم أخذ يحشد جيشاً يتألف من هذه القبائل, وقد قامت هذه القوات بهزيمة قوات خالد بن سعود في الدلم . وأشير في الهامش إلى أنه قد اعتُمد في ذلك على ابن بشر, وبالرجوع إلى ابن بشر وغيره من المصادر الموثوقة يتضح أنه لم تكن هناك معركة بين قوات الإمام فيصل وقوات خالد بن سعود في الدلم، وأن هزيمة قوات هذا الأخير كانت على أيدي أهل الحريق والحوطة والحلوة, وقد دارت المعركة وفيصل في الأحساء، فكانت بشارة خير بالنسبة له، ثم توجه من هناك، إلى الخرج حيث التحق به أولئك المنتصرون وغيرهم، وأخذ يحاصر خالد بن سعود ومن معه في الرياض, وبذلك يتضح أن ما قيل في الكتاب الذي تتناوله هذه القراءة عن ذلك الموضوع قول بعيد عن الدقة. ثم قيل بعد ذلك مباشرة (ص 54): ودارت عدة معارك بين العساكر المصرية مع إسماعيل أغا وخالد بن سعود وبين أهل الرياض, وعندما علم الإمام فيصل بهزيمة الأتراك في الرياض وهو في الاحساء توجه إلى هناك وحاصر الرياض, وعقدت مشاورات بين فيصل والترك ولم تفلح هذه المشاورات, والتحم الفريقان في قتال عنيف فقتل من الفريقين عدة قتلى، وقتل من أصحاب فيصل بداح الفارس المشهور من آل حبيش من العجمان . مما يؤخذ على الكلام السابق ما يأتي: أ أنه يشار، مرة، إلى القوات القادمة من مصر مع خالد بن سعود بالعساكر المصرية أو المصريين، ومرة أخرى بالأتراك. ب العبارة الأولى من الكلام تفيد بأنه كان هناك عدة معارك بين العساكر التي مع إسماعيل وخالد وبين أهل الرياض, والصحيح أن أهل الرياض كانوا مع القائدين المذكورين لا ضدهما. ج قيل إن مشاورات عقدت بين فيصل والترك, والاتصالات للصلح كما ذكر ابن بشر كانت بين فيصل وخالد. ولعلَّ مما يلفت النظر فيما ذكره ابن بشر عن سير الأمور حينذاك هو (إقبال فهيد الصييفي رئيس سبيع ومعه عربان سبيع ورؤساؤهم فزعاً لخالد وأتباعه وحرباً لفيصل، والتحاق قاسي بن عضيب وعربانه من قحطان بالصييفي أيضا, وهو أمر يوحي بانقسام القبائل بين الفريقين المتنافسين أحياناً. ولقد تُحدِّث في بقية الفصل الثالث من الكتاب، عن علاقة العجمان بعبدالله ابن ثنيّان والإمام فيصل في فترة حكمه الثانية, وفي زمن أبنائه من بعده, وهذا الحديث جيّد في مجمله. على أنه قيل (ص 86): (تؤكد الوثائق على أن العجمان شاركوا في القتال ضد قوات ابن رشيد في معارك القصيم,, وأنهم أول من وقف إلى جانب عبدالرحمن بن فيصل في الاشتباكات التي وقعت في القصيم وكانت حصيلتها أربعة آلاف قتيل). وإذا صحّت قراءة هذه الوثائق من قِبَل من كتب الكلام السابق فإن المعلومات الواردة فيه غير صحيحة, أما أن العجمان وقفوا إلى جانب عبدالرحمن بن فيصل فأمر مسلَّم بصحته, لكن عبدالرحمن وأتباعه لم يصلوا الى القصيم حتى يكون هناك احتمال لمشاركتهم في الاشتباكات بين أهل ذلك الاقليم وابن رشيد, وهذا أمر أشار إليه من كتب الكلام السابق نفسه (ص 85), والمعركة المشهورة التي دارت بين أهل القصيم وابن رشيد، عام 1308ه كانت معركة المليداء, والمصادر الموثوقة ترجح أن القتلى كانوا في حدود الألف، لا اربعة آلاف. ويتناول الفصل الرابع من الكتاب وهو الفصل الأخير منه تاريخ العجمان في عهد الملك عبدالعزيز, وهو لا يقلّ جودة عن أكثر ما في الفصل الثالث, ولا ينقص كماله إلا بعض الهفوات اللغوية التي يقلّ أن تخلو منها مؤلفات كثيرة في هذه الأيام. أما بعد كل ما سبق، فإن الجهد المبذول في كتاب تاريخ قبيلة العجمان جهد يستحق الشكر، ويبعث على الأمل في ان تكون الكتابات المستقبلية لمن كتبه اكثر عمقا وتمحيصا؛ وبخاصة إذا كانت عن هذه القبيلة، التي يكنّ لها كاتب هذه السطور كما يكنّ لغيرها من القبائل العربية الكريمة كل مودّة وتقدير. والله ولي التوفيق.