هل ما كنا نخشى حدوثه، قبل خمس سنوات، قد وقع؟ وهل كان للتحذيرات والتخويفات من نتائج الغزو الفضائي على الدين والعادات والقيم الاسلامية الراسخة، آثار إيجابية مباشرة أو غير مباشرة لهذه التحذيرات والتخويفات,,؟ أم أن العالم الاسلامي، وهو المقصود في الدرجة الأولى بهذا الغزو الفضائي، قد وقع بإرادته أو بغير ارادته في المصيدة الغربية,,؟ لست بحمد الله متشائماً، ولا أحب التشاؤم,, ولكن واقع الحال يؤكد أن الغزو الفضائي، وهو في جوهره غزو ثقافي قد حقق لأعداء الإسلام كثيرا مما خططوا وبرمجوا له من أجل صهر العرب والمسلمين في بوتقتهم الثقافية. يظهر اثر ذلك فيما تبثه الفضائيات العربية والأجنبية من خلاعة وتفسّخ أخلاقي، واستهتار بالقيم الإسلامية,, إضافة إلى الاستهتار باللغة العربية الفصحى التي استبدلت باللهجات المحلية كمشروع كَنسيٍّ لابعاد العرب والمسلمين عن لغة القرآن والسنة والثقافة الإسلامية اللغة الفصحى التي يقوم عليها كيان الإسلام وحضارته. لقد بذلت الدول الغربية الكثير من أجل تحويل العرب من استعمال اللغة العربية الفصحى إلى استعمال اللهجات المحلية,, وكان من عتاة هذه الدعوة الخبيثة المندوب البريطاني في مصر حينذاك (كرومر) ولكنه لم يحقق هدفه الاساسي، وإن حقق ألسنة تنطق باسمه وتتبنى فكرته (كسلامة موسى) مثلا ولكن (الأزهر) كان لهذه الدعوة بالمرصاد، وكذلك الغيّر من العرب على لغة الضاد، لغة القرآن والسنة. وها هم اليوم يعودون إلى نفس الهدف من خلال الارساليات الفضائية التلفازية والاذاعية,, وهي أدوات ما كانت متاحة للمندوب الاستعماري البريطاني (كرومر) ولا غيره في ذلك الزمان. ويبدو أن بعض التلفازات والاذاعات العربية لم تعد خاضعة للدولة التي تتحدث هذه الوسائل بلهجتها العامية، وإلا لقامت بواجبها القومي، ومنعت المذيعات المتميعات من استعمال العامية بدل الفصحى في المقابلات والاخبار ونحوها. ولعل الشاهد في هذا ما أجرته جريدة (الشرق الأوسط) في عددها (7707) الصادر يوم 27 رمضان 1420ه من مقابلة مع بعض أستاذة اللغة العربية في (لبنان) كالدكتور أحمد بيضون الذي قال: إن اعتماد العامية وحدها في المشافهة يحولها إلى لغة التفكير,, فيترجم الكاتب مثلا أفكاره من العامية إلى الفصحى، وفي ذلك أخطاء ومساوئ,, . ويقول هذا التقرير البيروتي (إن اللبنانيين حاليا منقسمون بين مؤيد ومعارض لظاهرة انتشار العامية في وسائل الاعلام المرئية والمسموعة نتيجة انكفاء عدد كبير من الاعلاميين عن استعمال اللغة الفصحى في مقابلاتهم الاذاعية أو التلفزيونية,, وقد رأت شريحة من اللبنانيين على رأسها أساتذة اللغة العربية أن تراجع اللغة العربية الفصحى عن مجالات المشافهة يؤدي إلى عواقب وخيمة,, لأن مُعادل اللغات الأخرى تقف بالمرصاد,,). أليس هذا تدميراً للسان العربي؟ وتفكيكا لعوامل أساسية من بناء الوحدة العربية لغوياً وثقافياً؟ حتى ولو لم تكن هناك وحدة عربية سياسية، واقتصادية، وعسكرية، واجتماعية. إن اللغة العربية الفصحى هي الوشيجة الرابطة بين أبناء الأمة العربية من شرقها إلى غربها ومن جنوبها إلى شمالها,, ولو قدّر أن كل دولة عربية استعملت لهجتها أو لهجاتها العامية في وسائل إعلامها لتحول العرب، بمرور الزمن، إلى أمم شتى وذات لغات مختلفة,, لا تلتقي إلا كما يلتقي العربي بالإيراني، والباكستاني بالقوقازي. إن اللغة العربية الفصحى لا خوف عليها من الانقراض ما دام القرآن الكريم يتلى بها وسيبقى بإذن الله محفوظا من الذي أنزله بلغته العربية الفصحى التي أنزل بها إلى يوم القيامة,, إنما الخوف على اللسان العربي أن يفقد قدرته على التعامل مع اللغة الفصحى، إذا فقد قدرته على تلاوة القرآن مع فهم معاني كلماته كما هو الحال مع الدولة التي حولت حروفها من العربية إلى الحروف اللاتينية، فأصبح الملايين من شعبها لا يستطيعون قراءة القرآن ولا تذوق حلاوته كما أنزل طريا على سيدنا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم. انني هنا أوجه اقتراحا إلى أمين عام الجامعة العربية أن يتدخل بأجهزة الجامعة مع الحكومات العربية التي تستخدم لهجاتها العامية في وسائل الاعلام مرئية ومسموعة ومقروءة، والالتزام باللغة الأم للعرب عامة وهي الفصحى هو أحد أركان الجامعة العربية وأسس قيامها وإلا لما كان تمت جامعة عربية أصلاً. لقد أفسدت هذه الفضائيات أخلاق الكثير من الشباب وزادت في إمعان افسادها الى تدمير لغة الأمة العربية التي تجمع جميع شعوبها فلابد، والحالة هذه، من وقفة حازمة من الجهات التي تملك إصدار القرارات الملزمة لمن يخرج على أساسيات الأمة. وإن لم تفعل الجامعة العربية ولا الحكومات المعنية فإن البلاء سيعم ويستشري,, ويتسع الخرق على الراقع، ولن تجد من يرقع خرقا باتساع الأفق,, والله المستعان.