عندماحل القرن العشرون (الميلادي) على العالم العربي كانت معظم الأرض العربية خاضعة لسطان الباب العالي في اسطنبول أيام الحكم العثماني ، ماعدا (نجد) في الجزيرة العربية والمغرب والجزائر، ونوع من الاستقلالية الدستورية تمتعت بها مصر والسودان وتبقى (نجد) متحررة من أي نفوذ خارجي, ولكن العالم كله كان يتململ مع بزوغ القرن العشرين مما أدى إلى قيام الحرب العالمية الأولى التي سقطت على اثرها الخلافة العثمانية وبذلك انفصلت الدول العربية في الشرق العربي ومعها مصر والسودان. ولكن هذه المرة سقط العالم العربي كله تقريباً ما عدا (نجد) و(اليمن الشمالي) تحت حماية ومعاهدات الدول الأوروبية وسيطرة عسكرها وقواعدها العسكرية. ولكن (للمرة الثانية) لم يكن ذلك السقوط ولم يكن ايضاً تفكك العالم العربي إلى دول ودويلات عامل انهزام وانحسار للفكر والمفكرين في العالم العربي,, بل برزت على الساحة العربية مشاعر الوقوف في وجه الاستعمار، ومقاومة السيطرة الخارجية وتمثلت في مظاهر وحقائق عدة منها: (1) قيام المملكة العربية السعودية متحررة من أي استعمار أو تبعية لقوة أو قوى خارجية، وتعتمد القرآن الكريم والسنة المطهرة نبراس حياة وفلسفة حكم. (2) تحرك العالم العربي للمطالبة بالاستقلال والتخلص من القواعد العسكرية والهيمنة الاستعمارية الغربية. (3) قيام الجامعة العربية وهدفها الرئيسي تحقيق وحدة عربية شاملة,, فكانت حلماً جميلاً وأملاً عريضاً. ولكن، وللمرة الثالثة، عندما حطت الحرب العالمية الثانية أوزاها صدم العرب واصطدمت أحلامهم ومشاريع الوحدة والتضامن باغتصاب أرض فلسطين العربية وقيام دولة اسرائيل على الأرض العربية في فلسطين. صدم العرب لأنهم خرجوا من الحرب العالمية الثانية، كما خرجوا من الحرب الكونية السابقة بدون غنائم تذكر. تكرس الاستعمار الفرنسي والبريطاني ووقعت ليبيا تحت وطأة الاستعمار الايطالي. اصطدمت أحلامهم في تحقيق الوحدة بتمزيق الأرض العربية في الشرق باقتطاع أرض فلسطين وعزل الشام والجزيرة العربية عن مصر والسودان والمغرب العربي. اصطدم المشروع النهضوي العربي بوجود اسرائيل قاعدة متقدمة للدول الغربية الاستعمارية التي لا تعمل فقط على تعطيل مشروع النهضة العربية بل انها عملت وتعمل على الغائه وعدم تحقيقه. فجع الجيل العربي الشاب يومها بضعف (الجامعة العربية) وعدم قدرتها على الفعل رغم زيادة عدد الدول الأعضاء,, حتى تجاوزت العشرين دولة. ظن كثير من المثقفين والمفكرين أن (فلسطين) ستجمع الأمة العربية على هدف واحد ومشروع واحد,, وتحول هذا الظن إلى سراب ولكن وللمرة الرابعة، تفرق العرب وأسبابهم قضية فلسطين ,, لم يتفقوا على استراتيجية ذكية لتحريرها,, وحتى أهل فلسطين اختلفوا وتشرذموا بشأن قضيتهم. ومع هذا برزت آمال تمثلت في مظاهر وحقائق تاريخية. (1) قيام نهضة تعليمية أدت إلى قيام عشرات الجامعات ومئات الكليات والمعاهد في العالم العربي,, والتي أمّل بأنها ستكون الممر الآمن لتنمية العرب مستقبلاً. (2) بروز ثورة (أطفال الحجارة) والتي أعتبرها تعبيراً عملياً وواقعياً على الأرض عن (استمراراية) الحلم العربي (وامكانية) تحقيقه مستقبلاً إن شاء الله. (3) قيام مشاريع تنموية في بعض البلاد العربية وأظهرها وأكثرها التصاقاً بالانسان ماجرى على أرض المملكة العربية السعودية التي تحتضن ثماني جامعات، ومراكز للبحث العلمي، لكي تتجاوب مع الحرمين الشريفين وما يمثلانه من أصالة الأمة العربية التي هي جزء في صميم الأمة الإسلامية الواسعة. وهكذا فإن اغتصاب (فلسطين) يمثل في نظري أكبر حدث في تاريخ الأمة العربية خلال القرن العشرين,.