لم يتمالك عبد الكريم. س نفسه من الضحك، حين أفضت إليه ابنته شذا، الطالبة في المرحلة التوجيهية (طبيعة)، برغبتها الملحة في اختيار تخصص القانون. في العام الماضي، حصدت شذا نسبة 97% في نهاية سنتها الثانوية الثانية. وهي معروفة في أوساط عائلتها ومحيط مدرستها بأنها الطالبة الأكثر اجتهادا وتميزا، ما كان يدفع الجميع إلى توقع اختيارها لتخصص الطب: «ستكونين طبيبة مذهلة يقولون لي. ثمة ما يشبه لعبة نفسية يمارسها المحيطون بي لتوجيهي إلى تخصص لا أشعر برغبة في الالتحاق به. ومع ذلك فإنني حددت التخصص الذي أشعر بالانتماء إليه. إنه أمر أشبه بحلم خاص لا أريد أن يشاركني أحد في تحديد تفاصيله». لكن يبدو أن لوالدها عبد الكريم، الذي يعمل موظفا حكوميا، رأيا آخر. إذ يعتقد أن قدراتها المذهلة في التحصيل العلمي تؤهلها للانخراط في إحدى كليات الطب: «هذا هو المجال الذي يفترض بواحدة مثلها التفكير به. ما زلنا بحاجة إلى آلاف الطبيبات لكن أين يمكنها الذهاب بشهادة في الحقوق في بلادنا؟». يعتبر عبد الكريم إن واجبه، كوالد لشذا، أن يشاركها التخطيط لمستقبلها، فيما ترى هي أن توجيهه هذا ليس إلا نوعا من الوصاية على أحلامها. وهي قصة كثيرا ما تتكرر في منازلنا السعودية حين يقترب موعد اختيار التخصص الجامعي الذي يعتبره كثيرون واحدا من أهم القرارات التي يتخذها الإنسان في حياته. الاختيار والتردد ووفقا للدراسات، يواجه أكثر من 65% من طلاب الثانوية السعوديين صعوبة في تحديد واختيار التخصص للمرحلة الجامعية. وتعزو الدراسات تردد الطلبة هذا إلى: «نقص مهارة التفكير المنطقي والأسلوب الأمثل لاتخاذ مثل هذا القرار الهام، ما يسبب أخيرا وقوعهم ضحية سهلة لضغوط اجتماعية سواء من الأسرة أو من الأصدقاء والزملاء». وتشير النتائج العشوائية لهذه الدراسات إلى لجوء نصف طلاب السنة الأولى في الجامعة إلى التحويل والانتقال بين الكليات لتدارك الفشل في الدراسة الجامعية، وهو أمر تقول الدراسات إنه: «لا يمثل فقط خسارة في وقت الطالب بل هدرا في الموارد التعليمية، كما وما يجبر نسبة كبيرة من الطلاب على البقاء في المقاعد الدراسية لسنوات عدة أطول من المعتاد والمقرر». ويبدو أن اختيار التخصص الجامعي، أمر يشغل بال أكثر من ربع مليون طالب وطالبة سعوديين يستعدون للانتقال إلى المرحلة الجامعية بعد أشهر من الآن، إذ يظهر موقع غوغل، أكثر من مليوني نتيجة عند البحث عن «اختيار التخصص الجامعي المناسب». وهو أمر أسال لعاب بعضهم فيما يبدو. فالنتائج تتضمن إعلانات عن برامج مدفوعة ومواقع تدعي أنها «تمكن الطالب من اختيار التخصص الذي يناسبه 100%». ووفقا للدكتور يوسف صافي، وهو خبير أكاديمي عربي، فإن الكثير من الدراسات والأبحاث والدلائل على الأرض تشير إلى أن نسبة كبيرة جدا من طلبة الجامعات لا يتمتعون بحق اختيار التخصص: «وهو ما ينعكس سلبا على مستقبلهم الأكاديمي والمهني والاجتماعي، وبالنتيجة على تقدم وتطور وتنمية المجتمع». .. والجامعة أيضا ويلفت صافي إلى العديد من القيود التي تحد من قدرة الطالب الجامعي على التمتع بحقه في اختيار تخصصه الجامعي: «هناك أولا قيود من قبل الأهل الذين يفرضون على أبنائهم الالتحاق بتخصصات معينه (تحت ذريعة الحرص على مستقبلهم) دون مراعاة بالمطلق لرغباتهم وطموحاتهم وقدراتهم. وهنا نقول للأهل الأعزاء هناك فرق كبير بين الحرص على مستقبل الأبناء باعتباره سلوكا محمودا، وبين فرض ورسم مستقبل الأبناء باعتباره سلوكا مذموما، ونحن نرى أن الحرص الحقيقي على مستقبل الأبناء يتطلب مناقشتهم ومحاورتهم وتوجيههم ونصحهم وإرشادهم والتعرف على إمكاناتهم وقدراتهم». ولا يحمل صافي على الأهل وحسب، إذ يذهب حد اتهام الجامعات أيضا بالتدخل القسري في توجيه الطالب نحو التخصص: « هناك أيضا قيود جامعية تتمثل في نظم القبول وما تحدده من شروط للتخصصات الجامعية التي تعتمد معيار نسبة الطالب في الثانوية العامة محددا رئيسا للقبول في التخصصات دون مراعاة لرغبات الطالب». ويطالب الخبير الأكاديمي الجامعات ب: «إعادة النظر في شروط القبول للتخصصات الجامعية بما يفسح المجال للطالب الجامعي باختيار التخصص الذي يتناسب ورغباته وإمكاناته وقدراته، مع ضرورة تطوير وتفعيل دوائر التوجيه والإرشاد الجامعي لتقوم بواجباتها بشكل مسؤول وجدي تجاه توجيه وإرشاد الطلبة الجامعيين نحو التخصصات التي تتناسب ورغباتهم وإمكاناتهم وقدراتهم».