أولت قيادة المملكة جلّ اهتمامها بالشأن الخليجي وعملت بكل صدق ومحبة وإخلاص على تحقيق ما فيه خير شعوب المنطقة وأمنها واستقرارها. وكانت هناك جهود تتبلور لقيام اتحاد بين حكام الإمارات في الساحل الخليجي من خلال اجتماع دبي في 25 فبراير 1968م. وقد أيدت المملكة هذا الاتجاه، حيث صدر بيان مشترك في الرياض بتاريخ 3 أبريل 1968م في ختام زيارة الشيخ أحمد بن علي آل ثاني حاكم قطر في ذلك الوقت للمملكة، وورد في هذا البيان أن الاتحاد الذي قام بين إمارات الخليج من شأنه تأمين استقرار المنطقة ونمو تقدمها وازدهارها. وقد أبدى المغفور له الملك فيصل بن عبد العزيز استعداد حكومة المملكة العربية السعودية لزيادة التعاون الاقتصادي والفني مع دول الاتحاد بغية إسعاد شعوبها ورفاهيتها.كما دعمت عدد من الظروف الدولية والإقليمية التي ظهرت في تلك الفترة فكرة قيام إطار للتعاون بين دول الخليج مجتمعة. فعلى المستوى الدولي كان هناك التنافس بين القطبين الرئيسين في النظام الدولي على النفوذ في منطقة الخليج، وقد ظهر هذا التنافس جليا بعد الغزو السوفيتي لأفغانستان وعدم تردد الاتحاد السوفيتي في الكشف عن العلاقة بين الغزو وبين التطلع إلى دور في منطقة الخليج، حيث أعلن بريجينيف ما سمي (مبدأ بريجينيف) في ديسمبر 1979م.وكانت مبادرة بريجينيف انعكاسا لرغبة الاتحاد السوفيتي (سابقا) في لعب دور في المنطقة بحيث لم يخف بذلك العلاقة بين غزو أفغانستان ومنطقة الخليج. هذا في الوقت الذي بدأت فيه مرحلة من الحرب الباردة الجديدة بين الاتحاد السوفيتي (سابقا) والولايات المتحدة بعد تولي الرئيس ريجان السلطة في انتخابات 1980م وانتهاجه خطا متشددا تجاه الاتحاد السوفيتي، ووضعه أمن الخليج في مقدمة أولوياته في السياسة العربية. أما فيما يتعلق بالصعيد الإقليمي فقد أكد قيام الحرب العراقية - الإيرانية ضرورة الحاجة إلى قيام دول الخليج بمهام أمنها القومي لمواجهة التحديات الإقليمية من ناحية والبعد عن التدخل للقوى الأجنبية وإبعاد المنطقة عن الصراع العالمي من جهة أخرى. هذا في الوقت الذي رغبت فيه الدول الخليجية الست في لعب دور مؤثر في المنطقة العربية بما يتناسب مع إمكاناتها الاقتصادية والعسكرية. ولذا فقد سعت المملكة للدعوة إلى قيام تعاون أمني للدول الخليجية ولذلك قام صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية بجولة في كل من الكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة وقطر وعمان والبحرين في نوفمبر 1980م لبحث التعاون في دعم الأمن الخليجي استكمالاً لنتائج مؤتمر وزراء الداخلية العرب الذي انعقد في الطائف في أغسطس 1980م الذي اتفق فيه على ضرورة تعزيز التنسيق بين أجهزة الأمن العربية. وقد كانت المملكة منذ البداية أكثر الدول الخليجية حماساً لتوحيد موقف دول الخليج من التحديات الماثلة أمامها. وترجع محاولات المملكة العديدة من أجل تشكيل تجمع عربي خليجي لمواجهة التحديات الإقليمية إلى عام 1971م بعد الانسحاب البريطاني من الخليج العربي. وبدأت المملكة في هذا الاتجاه بتوقيع اتفاقيات ثنائية عام 1976 خلال زيارة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز لجميع الأقطار الخليجية، كما أكدت المملكة خلال تلك الفترة على لسان خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز (حين كان وليا للعهد آنذاك) - رحمه الله - على ضرورة منع التدخل الأجنبي في المنطقة وإخلائها من القواعد الأجنبية مؤكدا حرص الدول الخليجية على سيادتها واستقلالها. وتقدمت المملكة خلال القمة الإسلامية بمدينة الطائف وفي شهر أغسطس عام 1980م بمشروع يقضي بإنشاء تجمع خليجي وتوحيد مصادر السلاح إلى دول الخليج حتى يصبح التدريب والاستيعاب سهلا، كما طالب المشروع بإقامة تعاون واسع النطاق بين قوات الأمن الداخلي في الدول المعنية بدلا من إنشاء حلف عسكري، واستبعاد الأحلاف العسكرية مع الدول الأجنبية، واشتراك القوات المسلحة النظامية وتأكيد سيادة كل دولة، وتسهيل المحافظة على القانون والنظام الداخلي فيها وتشجيع دول الخليج على تحقيق الاستقلال الذاتي العسكري. ونتيجة للتطورات التي كانت آنذاك في المنطقة اتسع تصور المملكة لمفهوم الأمن في الخليج، وتبلور ذلك فيما قدمه سمو الأمير نايف بن عبد العزيز من مشروع أسماه (تحقيق الأمن الجماعي في الخليج) الذي كشف عن تفاصيله أثناء زيارة سموه للكويت وباكستان في نهاية عام 1980م. وقدم هذا المشروع تصورا للتعاون المشترك لتحقيق الأمن الداخلي في دول المجلس إلى جانب التنسيق الأمني بين هذه الدول.وقدم إلى جانب هذا المشروع مشروع كويتي وآخر عماني، أما المشروع الكويتي فقد طالب بإقامة تعاون مشترك في المجالات الاقتصادية والنفطية والصناعية والثقافية بما يؤدي في النهاية إلى إقامة اتحاد إقليمي بين دول الخليج، كما دعا المشروع العماني إلى إنشاء قوة بحرية مشتركة لحماية مضيق هرمز والدفاع عنه بوصفه شريان الحياة والحضارة لدول الخليج، وفي 4 فبراير 1981م وخلال مؤتمر الرياض بين وزراء الخارجية للدول الخليجية الست وبعد مناقشات عديدة بين الدول الخليجية استقر الرأي على مشروع جاء في غالبيته متوافقا مع المشروع السعودي وأقره الوزراء في ختام أعمال هذا المؤتمر على وثيقة إعلان إنشاء مجلس التعاون الخليجي. وأوضح الإعلان أن إنشاء مجلس التعاون الخليجي جاء تمشيا مع أهداف الوحدة العربية وفي نطاق ميثاق جامعة الدول العربية، واتخذ المجلس الجديد الرياض مقرا له. وفي 24 - 25 فبراير 1981م وتنفيذا لقرار وزراء الخارجية اجتمعت لجنة الخبراء بالرياض لوضع نظام متكامل لما اتفق عليه بشأن مجلس التعاون الخليجي، ومناقشة مشروع النظام الأساسي للمجلس، وبعد عدة اجتماعات تم التحضير لاجتماعات القمة الخليجية في أبو ظبي يومي 25 - 26 مايو 1981م، حيث أعلن في الجلسة الافتتاحية التوقيع على النظام الأساسي لمجلس التعاون الخليجي.فمنذ القمة التأسيسية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية التي عقدت في أبو ظبي عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة في الحادي والعشرين من شهر رجب عام 1401ه الموافق الخامس والعشرين من شهر مايو 1981م برزت مواقف القيادة السعودية بالفعل قبل القول في دعم العمل الخليجي والنهوض به على المستويين الداخلي والخارجي. وتجلى اهتمام القيادة السعودية بمجلس التعاون الخليجي منذ تلك القمة، حيث عبر الملك خالد بن عبد العزيز - رحمه الله -عما يحمله من رؤية ثاقبة تجاه إنشاء هذا الكيان بقوله - رحمه الله - في تصريح أدلى به لوكالة أنباء الإمارات عقب وصوله إلى أبو ظبي (إننا نتطلع أن يكون لهذا التجمع الخير للأمة الإسلامية). وأكد - رحمه الله - أن هذا التجمع يعمل لخير المنطقة ولا يهدف من قريب أو بعيد بطريق مباشر أو غير مباشر للإضرار بأحد فهو ليس تكتلاً عسكرياً ضد أي فريق وليس محوراً سياسياً ضد أي قوى. وأضاف (إنه التقاء دوري بين اخوة أشقاء يسعون للعمل على رفاهية ورخاء واستقرار شعوبهم المتجاورة).وفي حديث لصحيفة السياسة الكويتية نشرته يوم 22/ 7/ 1401ه الموافق 26/ 5/ 1981 أكد الملك خالد بن عبد العزيز - رحمه الله - أن مجلس التعاون الخليجي سيصل إلى تقنين التفاهم الودي وجعله عملاً منظماً تسير عليه معاملات المنطقة بيسر ومحبة لترجمة رغبة شعوبها وأهلها التي عاشت على الاخوة والوئام.ووصف قمة مجلس التعاون الخليجي في أبو ظبي بأنها حدث تاريخي طالما انتظرته طويلاً أجيال منطقة الخليج وشبه الجزيرة. وجدد - رحمه الله - التأكيد على أن لقاء أبو ظبي ليس موجهاً ضد أحد وهو لتنظيم حال أسرة واحدة يكون تحركها تحركاً موحداً. وقال (إن هدفنا خير أمتنا وخدمة عقيدتنا الإسلامية وهي عقيدة بها كل الخير للبشرية وبها العدل وأي تفسير خارج هذا الإطار هو تفسير خاطئ الغاية منه التشويش وهو موضوع لم يعد يؤثر فينا). وأضاف (قررنا - بمشيئة الله - مع إخواننا في الخليج أن نترجم الرغبات إلى نظم نسير عليها لصالح منطقتنا وحماية خيراتها ولتوحيد كلمتنا). واطلع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود - رحمه الله - بدور مهم في هذا المجال لما قدمه من عطاء ورعاية للمجلس منذ نشأته ثم انطلاقته، إذ وقف في الدورتين الأولى والثانية يشد من عضد أخيه جلالة الملك خالد بن عبد العزيز - رحمه الله - ثم حمل المسؤولية انطلاقا من الدورة الثالثة التي عقدت في المنامة في شهر محرم من عام 1403ه الموافق لشهر نوفمبر من عام 1982م. ومنذ ذلك التاريخ تمكن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - رحمه الله - بحكمته الثاقبة وبعد نظره من دعم السير بالمجلس نحو القمة متجاوزاً كل الصعوبات التي تقف في طريقه ساعياً مع إخوانه قادة دول المجلس إلى بلوغ الهدف المنشود. كل ما تقدم ما هو إلا دليل على حرص المملكة لتكوين كيان خليجي موحد يمثل ثقلا إقليميا ودوراً بارزاً على مستوى العالم من أجل تحقيق الأمن الخليجي، ومن أجل تحقيق هذا الهدف فقد خرج مؤتمر القمة الأول بوثيقتين هامتين أثرتا تأثيراً كبيراً على التطورات السياسية في المنطقة، والوثيقتان تتضمنان: 1 - حتمية التكامل الاقتصادي وذلك بوضع الأسس لإقامة المؤسسات وإنشاء الأجهزة المؤدية إلى جعل ذلك التكامل والاندماج الاجتماعي حقيقة ماثلة للعيان، وأن تشابك المصالح الاقتصادية واليومية سيجعل الخليج إطارا موحدا يمارس فيه المواطن كامل الحرية في النشاطات التجارية بصرف النظر عن الجنسية التي ينتمي إليها. ولذلك وافق المجلس الأعلى في دورته الأولى على تشكيل خمس لجان تعمل من أجل تعزيز التعاون ووضع تفاصيل مواقف مشتركة بشأن السياسة النفطية والتخطيط الاقتصادي والاجتماعي والشؤون المالية والاقتصادية والتجارية والصناعية والخدمات الاجتماعية والثقافية. 2 - مبادئ سياسة المجلس الخارجية وتشمل المبادئ التي يتمسك بها المجلس في ممارسة سياسته الخارجية حيث جاء في البيان الختامي: (ان أمن المنطقة واستقرارها إنما هو مسؤولية شعوبها ودولها، وان هذا المجلس إنما يعبر عن إرادة هذه الدول وحقها في الدفاع عن أمنها وصيانة استقلالها، كما أكدوا رفضهم المطلق لأي تدخل أجنبي في المنطقة مهما كان مصدره، وطالب قادة دول المجلس بضرورة إبعاد المنطقة بأكملها عن الصراعات الدولية خاصة وجود الأساطيل العسكرية والقواعد الأجنبية لما فيه مصلحتها ومصلحة العالم).