وزير خارجية إيران في بيروت.. وغموض يكتنف مصير خليفة نصر الله    لماذا دفن حسن نصر الله في مكان سري؟    ارتفاع حصيلة قتلى إعصار "هيلين" بأمريكا إلى 215 شخصًا    وفاة 866 شخصًا بمرض جدري القردة في أفريقيا    "الصحة العالمية"تستعدّ للقيام بالجولة الثانية لتلقيح أطفال غزة ضدّ شلل الأطفال    أمطار رعدية على المناطق الجنوبية والأجزاء الجنوبية من مكة    الرئاسة الفلسطينية تدين المجزرة الإسرائيلية في طولكرم    استقرار أسعار الذهب    اعتزال ال «30»    تفاؤل عالمي بقوة الاقتصاد السعودي    لماذا تحترق الأسواق؟    إبراهيم البليهي: لم أندم.. والأفكار تتغيّر    محمد رضا نصرالله.. يعيد رسم ذكريات العمالقة في «أصوات»    مؤلفون يشترون كتبهم.. والتفاهة تهدد صناعة المحتوى    وزير المالية: نفذنا إصلاحات مالية في ظل رؤية 2030    نائب وزير الخارجية يشارك في مراسم تنصيب رئيسة المكسيك    أحلام على قارعة الطريق!    «زلزال الضاحية».. ومصير حزب الله    حديقة الملك سلمان.. وجهة استثنائية    رنين الماضي في سوق الزل    الفيحاء يقتنص تعادلاً ثميناً من الوحدة في دوري روشن للمحترفين    «بالون دور».. سباق بدون ميسي ورونالدو للمرة الأولى منذ 2003    الشاهي للنساء!    غريبٌ.. كأنّي أنا..!    ذكورية النقد وأنثوية الحكاية.. جدل قديم يتجدّد    دوري يلو.. فرصة للنجوم لمواصلة العطاء    الزمالك نجم السوبر الأفريقي    في ظلال المجلس    اختتام مشاركة الهلال الأحمر في المعرض التفاعلي الأول للتصلب    مدير تعليم الطائف يطلق مبادرة غراس لتعزيز السلوك الصحي    المرور: حادث اصطدام شاحنة بمركبة في الرياض تمت مباشرته في حينه «منذ عام»    90 مبادرة لأمانة الطائف تعزز الوعي البيئي وتدعم الاستدامة الخضراء    أمانة الطائف توقع عقد إنشاء مشروع (قبة الفراشات) بمساحة ٣٣ ألف م٢    جويدو.. وجمهور النصر!    أخضر الأولمبياد الخاص للشراع يشارك في المسابقة الإقليمية بدبي    الأمير سعود بن نهار يعزي أسرة الحميدي    المقاولات وعقود من الباطن    كتب الأندية الأدبية تفتقر إلى الرواج لضعف التسويق    محافظ الطائف يلتقي مدير جمعية الثقافة والفنون    درجات أم دركات معرفية؟    معالي وزير العدل    المعلم.. تنمية الوطن    2238 مصابا بالناعور في 2023    تعيين عدد من الأئمة في الحرمين الشريفين    أول فريق نسائي من مفتشي البيئة في المملكة يتمم الدورية رقم 5 آلاف في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    بدء الاجتماع الطارئ لمجلس الجامعة على مستوى المندوبين لبحث التحرك العربي للتضامن مع لبنان    أمير الشرقية يطلع على مستجدات أعمال فرع وزارة الشئون الإسلامية ويستقبل منسوبي "إخاء"    نيابة عن ولي العهد.. وزير الخارجية يشارك في القمة الثالثة لحوار التعاون الآسيوي    خادم الحرمين يهنئ رئيس غينيا بذكرى الاستقلال ويعزي رئيس نيبال في ضحايا الفيضانات    وداعاً يا أم فهد / وأعني بها زوجتي الغالية    مملكة العز والإباء في عامها الرابع والتسعين    تثمين المواقع    لماذا لا تبكي؟    شركة أمريكية تدعم أبحاث طبيب سعودي    نائب أمير المدينة يقدم واجب العزاء لأسرة شهيد الواجب الجهني    مفتي عام المملكة يستقبل مفوّض الإفتاء بمنطقة جازان    الحياة الزوجية.. بناء أسرة وجودة وحياة    أمير مكة المكرمة ونائبه يعزيان أسرتي الشهيدين في حريق سوق جدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالله بن مصلح القحطاني
حريق مدرسة براعم الوطن.. من الأغلى؟!!
نشر في الجزيرة يوم 27 - 11 - 2011

لا يلطّف هول الصدمة، ولا يطفئ لهيب الأحزان غير ذلك الشعور الرائع والجميل ونحن نعايش التئام أبناء المجتمع الواحد وقت الملمّات، يعطف بعضه على بعض بحنان وشفقة قلّ مثيلها، لا فرق بين كبير وصغير، الكل يعمل في سبيل هدف واحد، إنه تحقيق سلامة الإنسان وكرامته على هذه الأرض المباركة. لم يكن حادث مدرسة براعم الوطن بجدة يوم السبت 23/12/1432ه شاذاً عن هذه القاعدة، فكما هي عادة أبناء مجتمعنا الكريم، سواء كانوا مسؤولين أومواطنين يظهر صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة من أوائل المباشرين للحادث، مشرفاً على سير عمليات الإنقاذ والإسعاف ومواسياً للمصابين وذويهم، وكذلك الحال بالنسبة لشباب الوطن الذين سطروا على أرض الواقع تفاعلهم العفوي وتعاونهم الصادق مع كافة الجهات المعنيّة بسلامة وأمن المواطنين، ليس هذا فحسب بل سطّروه أيضاً في العالم الافتراضي في شبكات التواصل الاجتماعية في تلاحم مثير للإعجاب والافتخار مع ذوي المصابين، فرحم الله المتوفين وألهم ذويهم الصبر والسلوان وعجّل بشفاء المصابين إنه على ذلك قدير.
بغضّ النظر عن نتائج التحقيق في حريق مدرسة براعم الوطن التي تبقى مطلبا ملحّا لتقديم إجابات محددة حول عرضية الحادث أو جنائيته، فإن في كلتا الحالتين يوجد شخص مهمل أو جان وكلاهما يستحق العقاب، كما يوجد أيضاً درس جديد لتطوير متطلبات السلامة في كافة المنشآت مستقبلاً. وهنا يبرز التساؤل التالي؛ هل كانت لوائح الدفاع المدني كافية لمعالجة ما وقع في المدرسة المنكوبة؟ وهل كانت، فيما طبّقت، ستحول دون وقوع أي إصابات؟
علم الحريق تطوّر بشكل مذهل في السنوات الماضية وأصبح من الممكن تحديد سرعة حركة الدخّان، وتسارع درجة حرارة المكان، ونوع وكميّة الغازات المنبعثة، ليس هذا فحسب، بل أصبح بالإمكان وضع سيناريو للحريق قبل وقوعه من خلال برامج المحاكاة الحاسوبية والتي يمكن من خلالها معرفة كيف حصل الحريق أو كيف سيحدث مستقبلاً، وبالتالي تحديد أين تكمن الخطورة في المبنى. من هذه الخلفية العلمية تصاغ لوائح الدفاع المدني وما تتضمنه من متطلبات للسلامة لتمنع وقوع الحريق أصلاً، وتؤمن سلامة الإنسان داخل المباني على اختلاف استخداماتها. في حالات معيّنة، قد تقبل متطلبات السلامة حدّاً أعلى من الخسائر المادية، فمثلاً تقسيم المبنى إلى قطاعات يعني القبول بتلف جزء من المبنى في سبيل سلامة بقية أجزاء المبنى، ولكن بالنسبة للخسائر البشرية، فإن متطلبات السلامة لا تقبل بخسارة نفس واحدة لأي سبب من الأسباب، ولذا، وباختصار شديد ووضوح تام، فإن مقتل شخص واحد أو إصابته في حادث حريق يعني وجود خطأ فادح وخلل لا يغتفر في متطلبات السلامة.
إن متطلبات السلامة تبقى باهظة التكاليف على المستثمرين وتدفعهم إلى التفكير بأسلوب مادي بحت، ولذا قد نجد المالك لأحد المستودعات لا يبالي بخسارة مبلغ أربعين ألفاً ريال، على سبيل المثال، في صورة بضاعة تالفة نتيجة حادث حريق، وهي حالة نادرة بالنسبة له، إنما تركيب نظام الرشّ التلقائي سيكلّفه مئة وخمسين ألف ريال، وهي تكلفة مؤكدة سيصرفها من ميزانيته، ولذا نجد هذا المالك للمستودع يتجاهل متطلبات السلامة لكونه يفضّل خسارة محدودة في حادث حريق محتمل بدلاً من خسارة مؤكدة وباهظة الثمن عند الالتزام بمتطلبات السلامة. هذا المنطق يجب أن يتم ردعه بعقوبات سريعة وناجعة وخصوصاً إذا صدر عن المسؤولين في منشآت ذات كثافة بشرية عالية كالمدارس وغيرها، لأن حساب الخسائر البشرية يجب أن يبتعد تماماً عن الحسابات المادية. إن قضية التهاون في تطبيق إحدى متطلبات السلامة وما ينجم عنها من قتل لإنسان في حادث حريق أمر غير مقبول على الإطلاق وخصوصاً إذا كان المبنى حديث الإنشاء، وهذا ما ينبغي أن يعيه كل مشرف في أي مدرسة. وتبقى مسألة الوعي بمتطلبات السلامة مرهونة بشكل أو بآخر بتطبيق العقوبات وخصوصاً المادية منها، لكونها اللغة التي يتفاعل معها بشكل جيد بعض فئات المستثمرين لارتباطها بالربح والخسارة، وبدونها فمن الصعب تحقيق أي مستوى من الاستجابة.
لقد بيّنت لائحة الفنادق وبيوت الشباب والمنشآت المماثلة، والتي تندرج تحتها المدارس، في المادة الرابعة أن كل طابق من المبنى يجب أن يشّكل قطاعاً مستقلاً ومعزولاً تماماً عن بقية الطوابق الأخرى ليحول دون انتقال النار والدخّان من طابق إلى آخر، وتحقيق هذا الشرط يكفل عزل النار داخل الموقع الذي نشأت فيه ويمنعها من الانتشار، كما يمنع الدخّان والغازات السّامة المنبعثة من التسرّب إلى أي موقع آخر. وللقارئ الكريم أن يعيد قراءة نصّ اللائحة في هذا الجانب الذي أكّدت فيه على ضرورة «إغلاق كافة الفراغات (في جدران بيت الدرج على سبيل المثال) بما فيها الفراغات غير الظاهرة..» لقد ورد هذا النصّ في الإصدار الأول للائحة المعتمدة قبل ثمانية عشر عاماً، ومع ذلك نجد في هذا الحادث الأخير أن الدخّان والغازات السّامة انتشرت بحريّة في فضاء مدرسة أهلية حديثة الإنشاء!!! لو تم تطبيق هذا المتطلّب لما شعر بالحريق أحد من الطلاب أو المعلمات إلا من خلال أجراس الإنذار، ولتمّت عملية الإخلاء دون ارتباك أو ذعر حيث لا وجود للدخّان أو الحرارة في فضاء المدرسة الداخلي.
في المادة الحادية عشرة من اللائحة أيضاً نصّت على أنه في حالة وجود 250 شخصاً فقط داخل أي مبنى فإنه يجب «تجهيز جميع الغرف والقطاعات والردهات والمطابخ بنظام الإطفاء الآلي باستخدام رشاشات المياه التلقائية» وهذا النظام يمنع وبفاعلية كبيرة تطوّر الحريق أصلاً ويخمده في موقع نشأته، وللقارئ الكريم أن يتساءل هل كان الحريق سيتفاقم بهذا الشكل في مدرسة براعم الوطن التي تضم بين جنباتها وقت وقوع الحريق أكثر من 800 شخص لو التزمت المدرسة وغيرها من المدارس بتعليمات هذه اللائحة.
إن ما ينبغي أن ندركه جميعاً هو أن نظام الرشّ التلقائي وغيره من أنظمة السلامة مكلّف مادياً وباهظ الثمن، ولكن ما يجب أن يعلمه كل مالك مدرسة أهلية أن ثمن حياة إنسان واحد من الذين قضوا في حادث حريق مدرسة براعم الوطن، أو تعريض حياة أطفال في سنّ الزهور للخطر ودفعهم لإلقاء أنفسهم من النوافذ أغلى بكثير.
المديرية العامة للدفاع المدني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.