يعتبر قطاع الاتصالات من القطاعات الاستثمارية الرائدة بالسوق المحلي، وهو من القطاعات قليلة العدد بالنسبة للشركات، نظراً لأن شركاته لا تؤسس إلا بتراخيص نظامية، وهي تراخيص محدودة لم تظهر أساساً إلا بعد بدء تحرير القطاع، وقد كان هذا التحرير داخلياً أو جزئياً في البداية بتحويل الشركة الحكومية الوحيدة (شركة الاتصالات السعودية) إلى شركة مساهمة عامة، إلا إنه ما لبث أن تحول إلى نطاق أوسع بطرح عدد آخر من التراخيص لتتقاسم سوق الاتصالات مع شركة الاتصالات السعودية، المهم لقد تحول قطاع الشركة الوحيدة إلى قطاع متعدد الشركات، وصلت الآن إلى حوالي (5) شركات ناهزت قيمتها السوقية حالياً حوالي 112.2 مليار ريال، بما يعادل 9.3% من إجمالي رسملة السوق، إلا أنه رغم كل ذلك، فإن القطاع أصبح من القطاعات التي تواجه مشكلات كبيرة، حتى إن بعضاً من شركاته تتعرض للتعثر، وبعضاً آخر منها تعرض للإيقاف وتعليق التداول، فكيف تحول قطاع الاتصالات من قطاع استثماري رائد إلى قطاع يعاني الاضطراب بسوق الأسهم؟ بل كيف يمكن قبول تعليق سهم من أسهم الاتصالات؟ أكثر من هذا، فإن مبيعات وأرباح شركات الاتصالات أصبحت مثيرة للجدل بشكل كبير، فهناك شركات تبيع كميات كبيرة ولكن أرباحها أقل، وشركات تبيع كميات أقل وأرباحها أعلى نسبياً، وشركات أخرى تخسر رغم مبيعاتها وشبه انتشارها سوقياً. اتساع قاعدة المشتركين بالاتصالات بالسوق المحلي تشهد المملكة المزيد من النمو في عدد السكان، فقد تجاور عدد سكانها 27 مليون نسمة في نهاية عام 2011م، ولا شك أنه لزيادة عدد السكان دور كبير في تطور نمو قطاع الاتصالات في المملكة، فقد تزايدت أعداد اشتراكات الهاتف الجوال على سبيل المثال من 9.0 مليون اشتراك في 2004م إلى حوالي 28.0 مليون اشتراك في عام 2007م ثم قفزت إلى حوالي 51.6 مليون اشتراك في 2011م، وذلك بمعدل 187.2% بالنسبة لعدد السكان، أي أن كل فرد بالمملكة يشارك بنحو 1.76 هاتف جوال، في حين أن الهواتف الثابتة لاقت ثباتاً في معدلات استخدامها، لتزايد الاعتماد على الهواتف المتحركة، أما خدمات النطاق العريض، فقد بلغ معدل النمو السنوي التراكمي لها خلال السنوات الخمس الأخيرة حوالي 123%، وعلى مستوى خدمات الإنترنت، فقد انتشرت بصورة هائلة في السنوات الأخيرة وبلغ عدد مستخدمي الشبكة حوالي 11.4 مليون مستخدم في نهاية عام 2011م، أي ما يقرب من نصف أعداد سكان المملكة. قطاع الاتصالات.. المزيد من المبيعات والمزيد من الخسائر رغم هذا التطور المثير في مبيعات القطاع ككل، إلا أن صافي أرباح شركاته لم تحقق تحسناً موازياً، فخلال السنوات الخمس الأخيرة ارتفعت مبيعات شركة الاتصالات السعودية من 33.8 مليار ريال في 2006م إلى 51.8 مليار ريال في 2010م، أما موبايلي فقد ارتفعت مبيعاتها من 6.2 مليار ريال في 2006م إلى حوالي 16.0 مليار ريال في 2010م .. أما زين، فقد ارتفعت من 505.2 مليون ريال في 2008م إلى حوالي 5.9 مليار ريال في 2010م. أي أن جميع الشركات تطورت مبيعاتها بشكل مثير، بحيث ارتفع حجم المبيعات الكلية للقطاع من 42 مليار ريال في 2006م إلى حوالي 76 مليار ريال في 2010م، بما يعادل نسبة زيادة 81%. على النقيض من المبيعات، فإن صافي أرباح شركات القطاع تسجّل غالبيتها تراجعاً ملموساً بالمقارنة مع المبيعات، وعلى رأسها شركة الاتصالات التي سجّلت تراجعاً بنسبة 25% خلال الثلاثة الأرباع من هذا العام مقارنة بالعام السابق.. وتعتبر شركة موبايلي الوحيدة التي لا تزال تسجّل نمواً في أرباحها، أما شركتي زين (رغم تحسنها نسبياً) وعذيب، فلا تزالان داخل دائرة الخسائر، ويبدو أن هناك وقتاً آخر ستظلان فيها، وهو ما يثير التساؤل حول أسباب هذه الخسائر؟ ولماذا تحركهما ناحية الأرباح يسير بهذا البطء الشديد؟ خسائر أو تراجع أرباح الاتصالات.. تشبع أم منافسة؟ في اعتقادي أن الإجابة بالاثنين معاً، لأن التشبع النسبي للسوق أدى إلى إطلاق المنافسة بشكل استقطاع حصص سوقية من الشركات المنافسة، بمعنى أصبح المجال ضيقاً للحصول على عملاء جدد يستخدمون الخدمة لأول مرة، ولكن الأكثر إتاحة هو جذب عملاء الشركات الأخرى، من هنا فقد أدت شراهة المنافسة إلى قيام الشركات بإطلاق المزيد من العروض الترويجية وإتاحة المزيد من التخفيضات على أسعار خدماتها، مما ساهم في خلق المزيد من الضغوط على مستويات الأسعار، فقد شهد القطاع بأكمله انخفاضاً في معدلات الأسعار، كذلك أدت المنافسة إلى سعي الشركات نحو المزيد من التحسينات في تقنياتها، مما تسبب في ارتفاع نفقاتها التشغيلية، بشكل ساهم في زيادة معدلات خسائرها، وتراجع أرباحها، على الرغم من تزايد مبيعاتها وزيادة أعداد المشتركين بها. قطاع الاتصالات.. هل جاذب أم طارد للمستثمرين بسوق الأسهم؟ من اللافت للانتباه ما أصبح يعانيه المستثمرون في أسهم قطاع الاتصالات من تغيير في أسعاره السوقية بالسلب في الفترة الأخيرة، فقد انخفض مؤشر قطاع الاتصالات خلال العامين الأخيرين بنسبة 10.5% . أيضاً أنه رغم إدراج شركتين جديدتين خلال العامين (2009-2010) إلا أن نسبة مشاركة قطاع الاتصالات في رسملة السوق تراجعت من 11.24% في نهاية عام 2009م إلى 9.27% في خلال الأيام القليلة الماضية، وعلى مستوى أسهم قطاع الاتصالات، فقد شهدت جميعها (باستثناء سهم المتكاملة المطروح مؤخراً) تراجعاً في أسعارها السوقية خلال العام الأخير بنسب جاءت عند أعلاها لسهم عذيب، ثم بنسبة تراجع 29.2% لسهم زين، وبنسبة تراجع 17.0% لسهم الاتصالات السعودية، وبنسبة تراجع 6.0% لسهم موبايلي. مستقبل قطاع الاتصالات السعودية.. والتنافس في التقنية في الواقع هناك العديد من العوامل لا بد من أخذها بعين الاعتبار عند التنبؤ بمستقبل قطاع الاتصالات في المملكة، بداية.. السوق لا يزال سوقاً محلياً، حيث تعتبر خدمات الاتصالات من الخدمات التي مقيد بها منافسة الأجنبي نسبياً، كما أن السبق في التشغيل يمنح الشركة الأقدم قوة أكبر وإمكانيات أعلى، بما يفسر استمرار تميز شركة الاتصالات كأكبر شركة بالسوق، ثم إن هناك سقفاً معيناً لعدد الاشتراكات لا يتوقّع أن يتجاوزه سوق الاتصالات، إلا بنمو جديد في عدد السكان سواء من السعوديين أو غير السعوديين، كما أن الحركة التجارية والحج والعمرة تلعب دوراً متزايداً في مستقبل القطاع، حيث إن إيجاد مبيعات إضافية تضاف إلى الحصة السوقية المعتادة مرتبط بالسياحة أو الحج أو العمرة بشكل رئيسي، أما العنصر الأهم الآن في التنافس في سوق الاتصالات، فهو عنصر التقنية الأحدث، فطبيعة العملاء بالسوق السعودي، وكون غالبيتهم من الشباب، وكون معظمهم يتطلعون إلى تقنيات أحدث على مستوى خدمات الهاتف النقال أو تقنيات النطاق العريض، فإن المنافسة ستأخذ أشكالاً أخرى غير تقليدية في المستقبل، ولن تقتصر على تقديم خدمات الاتصال فقط، ولكن ستمتد على ما يبدو إلى مبيعات لمنتجات وماركات تجارية لأجهزة وتجهيزات مرتبطة بالاتصالات، ثم هناك عنصر آخر لمستقبل هذه الشركات، يتمثّل في الامتداد والتوسع الإقليمي في تقديم خدماتها في أسواق اتصالات أخرى خارج المملكة، وصفقات الاستحواذ والتحالفات وغيرها يمكن أن تلعب دوراً رئيسياً في قوة شركة عن غيرها.