خلال أيام قليلة حدثت في مجتمعنا جريمتا اعتداء على مسؤولَيْن في مهمتَيْ عملهما.. أحدهما في سيارة «ساهر»؛ فهو من رجال الأمن المروري.. والآخر في منظومة الحسبة؛ فهو من رجال الأمن الأخلاقي.. أحدهما قُتل، والآخر أُحرق بقصد القتل.. وأداة الجريمة جديدة في سلوك المعتدين، الذين هم ضمن نسيج البشر, يمثلون نسقاً من أنساق السلوك, الناجم عن الخبرات، وتراكمات ما يرون، وما يسمعون، وما يشعرون, وما يفهمون، وفق مداركهم, وتخيلاتهم، وتفسيراتهم لأفعال تتجه إليهم, فيقفون منها بأفعالهم الرادة.. فيما حدث ما يشير إلى خلل في منظومة الأخلاق، ومبادئ التنشئة، ومفرزات ما حول المعتدين، وموقفهم من النظام، وسلوكهم تجاهه.. ولئن كان نظام المرور يهدف إلى ضبط المتجاوزين فإن ردة الفعل بالاعتداء حد القتل لا بد أن تكون إما ممن يرفض اتباع النظام.. أو ممن يثقل عليه دفع الغرامات.. وعن كلا السببين يكون التأكيد هو عدم تبرير الاعتداء.. فهناك مع الضابط لا بد أن تكون آليات تعين المختنقين حاجة لتقسيط الغرامات الملزمين بها، وتيسير أمر سدادها؛ فهي في النهاية عامل كبح.. ولئن كان نظام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تنفيذاً لشريعة الحسبة في ضبط السلوك العام والفردي بهدف احترام الحدود، بل حماية الذات, والآخر.. وتهيئة الفرد لاتباع مسلك منضبط، يمثل الأخلاق الفاضلة، ويعكس التراحم المجدي، ويسوِّر حول الأخطاء المنعكسة على المجتمع، والمؤثرة في أمنه الخلقي والسلوكي، فإن هناك ضوابط تحتكم هذا الجهاز, يتمثلها أفراده، ولهم حصانة الدور الذي يقومون به.. فالاعتداءان ينمَّان عن خروج ومروق، ينبغي تحليل دوافعهما، وتقنين أسبابهما، وعدم التهاون في العقوبة عنهما.. ربما تجتمع المسؤولية في رجال الأمن المروري والأخلاقي ومختصي الشأن الاجتماعي والتحليل النفسي؛ وذلك لوضع ضوابط ومدارسة أسباب والكشف عن الخلل في سلوك من أجرم متقصداً، واعتدى متعمداً؛ إذ التعبير عن رفض أي آلية ضبط.. لا ينبغي أن يتحمل نتائجها أفراد, ينتمون لأمن مؤسسات المجتمع. ولعل تهميش دور كلمة صادقة في شأن الجيل الجديد, ومخرجات مدخلاته المتداخلة في هذه المرحلة، في وسائل الإعلام في المرحلة الراهنة، ينبغي أن تهتم به وزارة الإعلام؛ فتعيد النظر في كثير من الأصول التي اهتزت في الفترة الأخيرة.. فهي مسؤولية تتجاوز الوقت والمرحلة؛ إذ عواقبها مستقبلية بلا شك.