وسط حالة من الاحتشاد والترقب في الاوساط السياسية والفكرية.. ومحاولات هادئة لطرح جذور القضية الأفغانية من البداية، وما حدث من تحولات تاريخية واجتماعية في بنية هذا الشعب المسلم والمسالم. في ضوء هذه الرؤية التأصيلية افتتح المنتدى الثقافي المصري برئاسة الدكتور عبدالعزيز حجازي رئيس وزراء مصر السابق، برنامجه الجديد بندوة هامة تتعلق بما يدور الآن في أرض أفغانستان. استضافت الندوة السيد فضل الله فاضل السفير الأفغاني بالقاهرة (من قبل حكومة رباني السابقة) والسفير أحمد الغمراوي سفير مصر السابق بأفغانستان. واتسم اللقاء بالهدوء الدبلوماسي ومحاولة الكشف عن خلفيات الصراع الحالي.. باستدعاء التاريخ البعيد والأمس القريب: جذور الصراع بدأ السفير الأفغاني فضل الله فاضل كلمته بوضع النقاط على الحروف فيما يتعلق بخلفية الصراع بين فصائل المجاهدين وكيف وصلت طالبان إلى كابول واستولت على الحكم. قال السفير: بعد الغزو السوفيتي لأفغانستان عام 1979م كان من مصلحة الدول الإسلامية ودول الجوار وأوروبا والولاياتالمتحدة طرد الجيش السوفيتي وإسقاط الحكومة الموالية له (حكومة نجيب الله). على هذا الأساس قدمت هذه الدول الدعم للمجاهدين الأفغان من أجل مقاومة الغزو لأنه لونجح لايستبعد أن يزحف على دول الجوار المسلمة مثل إيران وباكستان.. لهذا كانت القضية واضحة في العالم الإسلامي على أن هناك قتالاً مشروعاً بين المجاهدين الأفغان الذين يرفعون راية الجهاد الإسلامي ضد دولة الغزو وهذا أيضاً في مصلحة الولاياتالمتحدةالأمريكية في ظل الحرب الباردة. استطاع الشعب الأفغاني رغم انهيار اقتصادياته أن يقاوم هذا الغزو ويجبره على الانسحاب، ويسقط الحكومة الموالية له بعد قتال مرير قرابة عشر سنوات. وبدأ زعماء المجاهدين في إقامة حكومة ائتلافية تضم جميع الأحزاب التي قاتلت ضد الاتحاد السوفيتي بما فيها الأحزاب الشيعية. واتفقوا على فترة انتقالية لمدة شهرين برئاسة صبغة الله مجددي، وبعد ذلك تكون هناك حكومة مؤقتة لمدة ستة أشهر. وبالفعل تم انتخاب برهان الدين رباني رئيساً لمجلس قيادة الثورة الإسلامية ورئيساً موقتاً لدولة أفغانستان وأسندت رئاسة الوزراء إلى قلب الدين حكمتيار ووزارة الدفاع إلى أحمد شاه مسعود. على أن تكون هناك فرصة لإقامة انتخابات حرة بعد هذه الفترة المؤقتة. من هنا بدأت بعض الحكومات تأخذ الحذر من هؤلاء الذين انتصروا تحت راية الجهاد الإسلامي، فتوقفت المساعدات وسعى البعض إلى إضعاف هذه الدولة الوليدة التي بنيت باسم الجهاد وأسقطت الاتحاد السوفيتي من قوة عظمى إلى دولة من الدرجة الثانية، وكانت باكستان على وجه الخصوص تتوقع من المجاهدين أن يكونوا على ولاء تام لها في سياستها ضد الهند ولم يعجبها النزعة الاستقلالية للحكومة الأفغانية الجديدة في علاقاتها الخارجية مع الصينوالهندوإيرانوروسيا. من هنا تحول الدور الباكستاني المساند والداعم للمقاومة الأفغانية، حيث تجمعت فصائل المجاهدين في الأساس من خلال المهاجرين الأفغان في باكستان. وبعدما لم تجد حكومة باكستان لنفسها دوراً هاماً في اتخاذ القرار السياسي الأفغاني لعبت دوراً سلبيا في الوقيعة بين فصائل المجاهدين من خلال جهاز استخباراتها ومن خلال قلب الدين حكمتيار الذي تربطه بها علاقات قوية وخاصة جداً. فأقنعت حكمتيار بألا يقبل منصب رئاسة الوزارة وأن يطالب بمقعد الرئاسة باعتبار أن الرئيس رباني من الطاجيك وأن العادة جرت دائماً أن يكون الرئيس من الباشتون. وحاول حكمتيار قصف العاصمة، كما طالب باستقالة أحمد شاه مسعود من وزارة الدفاع. وحين تأكد لباكستان أن هذا الصراع لن يصل لشيء، حاولت الاستعانة بالجنرال عبدالرشيد دوستم الذي كان يعرض خدماته باستمرار على الطرف الأقوى في الصراع. على هذا النحو كلما كان يتم إخماد فتنة كانت تشتعل فتنة أخرى، إلى أن ظهرت حركة طالبان على المسرح السياسي. حركة طالبان تكونت هذه الحركة من مجموعة من الطلاب صغار السن المهاجرين الذين يدرسون في المدارس الإسلامية بباكستان. وبدأت باكستان تستفيد منهم في حماية قوافلها التجارية التي تمر عبر افغانستان، خاصة أن حكومة المجاهدين طالبت بفرض رسوم وضرائب على هذه القوافل، ولكن باكستان رفضت وسلحت شباب طالبان بالبنادق وبالفعل قامت طالبان بحماية إحدى القوافل في قندهار وهزمت قوات حكومة المجاهدين. وبدأت طالبان ترفع شعار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنع التناحر بين الفصائل الإسلامية وإعلان حكومة إسلامية تطبق الشريعة. وإزاء هذه الدعوة تعاطف الكثيرمن المسؤولين في المحافظات المختلفة مع حركة طالبان أملاً في أن تكون هناك دولة إسلامية. وعندما صار لهم مكانة لدى أفراد الشعب الأفغاني بدأت باكستان دعمهم معنوياً وعسكرياً وهي نفسها التي دعمت حكومة المجاهدين من قبل بل إن بعض أفراد الجيش الباكستاني قاتلوا مع طالبان وبمعاونة بعض الجهات الأمريكية. ونجحت طالبان في الوصول إلى العاصمة كابول عام 1996وتقهقرت الحكومة بمؤسساتها إلى مدينة مزار الشريف، لكن طالبان استولت على المدينة بعد ارتكاب مجزرة بشعة، وبالتالي تراجعت الحكومة إلى شمال أفغانستان، وهي ما يسمى الآن بتحالف الشمال ورغم أن الولاياتالمتحدة أعلنت عن فرحها في بادئ الأمر بوصول طالبان إلى الحكم باعتبار أن هذا سيفرض الأمن والسيطرة على البلاد، لكن اتضح فيما بعد كما يقول الأمريكان انهم مجموعة من العصابات المسلحة. ومازال القتال مستمراً بين طالبان وحكومة المجاهدين خاصة في فصل الصيف. كما أن الشعب الأفغاني نفسه أظهر استياء من حركة طالبان، نظراً لوجود عناصر أجنبية في صفوفها، ولاتباع طالبان لسياسة الأرض المحروقة بتدمير كل شيء وارتكاب أبشع الجرائم في ظل تكتيم إعلامي. والنتيجة أن الشعب الأفغاني خلال عشر سنوات بعد طرد السوفيت لم ينعم بالراحة يوماً واحداً ودفع في هذه الحرب الداخلية ما يزيد عن مليون شهيد!. شيء من التاريخ إذا كانت كلمة السفير الأفغاني السالفة الذكر تركزت حول الوضع الداخلي وكيف وصلت الأمور إلى هذا السوء فإن كلمة السفير المصري السابق لدى أفغانستان تركزت على الملامح الدولية للأزمة وعلى استعادة التاريخ بدأها السفير أحمد الغمراوي قائلاً: إن أفغانستان أول دولة إسلامية تحصل علي استقلالها عام 1919 وتبلغ مساحتها حوالي 645 ألف كم2 وتتسم بالارتفاع عن الدول المجاورة لها وهي إيرانوالصين وباكستان وجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق وبسبب ارتفاعها فإن من يسيطر عليها يصبح مشرفاً على هذه الدول، ومن هنا سعت الدول الكبرى للاستيلاء عليها ففي فجر التاريخ بعد ان استولى الاسكندر على مصر كقاعدة في الشرق اتجه إلى الاستيلاء على أفغانستان لتكون قاعدة له في قلب آسيا، لكنه فشل في تحقيق ذلك. وخلال القرن التاسع عشر كان الصراع عليها بين الامبراطورية البريطانية وبين روسيا القيصرية، حيث كانت الهند آنذاك مستعمرة بريطانية وكانت انجلترا تريد تأمين مستعمراتها ضد أطماع روسيا القيصرية واتفق الطرفان على اعتبار أفغانستان أرضاً محايدة بينهما بحكم طبيعتها خاصة وان انجلترا فشلت في احتلالها من خلال ثلاث حملات في آخرها فحسب فقدت انجلترا ثلاثة عشر ألف جندي! هذه الصعوبة صادفت أيضاً جيش المسلمين الأوائل الذي استمر في محاولة فتح أفغانستان حوالي ثلاثين عاماً إلى ان شرح الله قلب الأفغان للإسلام ورأوا من الدلائل مايؤكد ألوهية هذا الدين، حتى أنه يحكى أن أحد الصحابة كان ضمن جيش الفتح وكان يحمل سيفين في يديه، وقيل إنه شوهد يطير بين صفوف المقاتلين قبل استشهاده، ومازال هناك، في قلب كابول مسجد يحمل اسم الشهيد ذي السيفين.. حوالي ثماني عشرة قومية تتكلم 16 لغة محلية، أهمها الباشتون والطاجيك آمنت بالإسلام ولم يجمعها ويوحد كلمتها سوى هذا الدين، لذلك يقول الأفغان إن الإسلام دخل من خلال عروقنا ومع الدم ولايخرج إلا بخروج الروح.. وأمل كل أفغاني أمران: ان يحج إلى بيت الله الحرام بمكة وأن يعلم أولاده بالأزهر الشريف في مصر ومنذ دخول الأفغان دين الإسلام وهم أصحاب الفضل في نشره فيما وراء النهرين وفي دلهي وفي الجمهوريات الإسلامية السوفييتية وقدموا للإسلام كثيراً من العلماء والفقهاء والمفكرين، منهم قديماً الإمام أبو حنيفة النعمان وحديثاً الشيخ جمال الدين الأفغاني. يتسم الأفغان عامة بالطيبة والتسامح وحب الإسلام، وتراه في عز هطول الثلج يخرج لصلاة الفجر، فعقيدته قوية وطبيعته جبلية، إذا تعرض أحد لشرفه أو دينه يتحول إلى وحش كاسر أي طبيعة الفرد الأفغاني من طبيعة بلده. ولهذا فإن جميع الدول المحيطة لاترغب في أن تكون أفغانستان دولة قوية. فباكستان على سبيل المثال ترغب في أفغانستان ضعيفة حتى لا تطالبها بإقليم باشتونستان، وعندما كنت سفيرا لمصر ولاحظت وجود سبعة فصائل تمثل المجاهدين افترضت على الحكومة المصرية ان تسعى لتوحيد هذه الفصائل، وكانت الإجابة ان باكستان لاترغب في ذلك. وكذلك الاتحاد السوفييتي لايرغب في أفغانستان قوية، وأذكر حين بدأ السوفييت يفكرون في الانسحاب سألت السفير الروسي: كيف تفشلون في احتلال هذا البلد الصغير وأنتم قوة عظمى ؟ فأجاب بأن هذا ممكن لكنه يحتاج إلى ثلاثين مقاتلاً روسياً مدربين لمواجهة مقاتل أفغاني واحد، فهناك فرق بين هذا الأفغاني القادر على أن يعيش في الجبال ستة أشهر وبين الجندي الروسي الذي لن يستمر سوى أسابيع قليلة. أمريكاوروسيا وعن الدور الأمريكي والروسي في أفغانستان خلال القرن العشرين قال السفير أحمد الغمراوي إنه خلال حكم الملك محمد ظاهر شاه (1933 1973) كان هناك ديمقراطية حقيقية وكان ظاهر شاه أحد قادة دول عدم الانحياز وسعى إلى إنشاء الأحزاب ومنها الحزب الشيوعي، كما سمح بتعليم المرأة التي وصلت في عهده إلى مجلس النواب. في هذه الفترة تم تجنيد بعض الأفغان في الحزب الشيوعي، وأغرى الشيوعيون محمد داود ابن عم ظاهر شاه للقيام بانقلاب أثناء وجود الملك في زيارة لروما وحدث الانقلاب وظل ظاهر شاه في منفاه بروما ولأن الحكومة الشيوعية رفضت تقديم أية مساعدة له بادرت المملكة العربية السعودية بمنحه بيتاً في روما مازال يقيم به حتى يومنا هذا. وفي عهد محمد داود تشكلت حكومة بها ثلاثة حقائب وزارية للشيوعيين الذين سرعان ما انقلبوا عليه بحجة أنه يتعاون مع الأمريكان وذبحوه أمام أولاده ليستولي محمد نور تراقي على الحكم باسم الشيوعيين، الذين انقسموا على بعضهم البعض، فقتل حفيظ الله أمين تراقي داخل القصر وحكم بدلاً منه لكن حفيظ الله كان يعمل في بداياته سكرتيراً محلياً في السفارة الأمريكية وظن السوفييت انه من الممكن ان يحيد عن الطريق الشيوعي وان يقيم علاقات وطيدة مع الأمريكان، فقرروا غزو البلاد وجاءوا بالرئيس كرمل على ظهور الدبابات السوفييتية. بالطبع شعرت أمريكا بالخطر السوفييتي ونصح كيسنجر بضرب الاتحاد السوفييتي من البطن الضعيف (أي الجمهوريات الإسلامية) وليس من الغرب كما هو معتاد وبدأ الأمريكان التفكير في استعمال الإسلام كسلاح لمقاومة خطر السوفييت بالتنسيق بين المخابرات الأمريكية والباكستانية. أي أنه جرى استعمال الأفغان والمسلمين وشاركنا نحن بنفوذنا وأبنائنا لضرب الاتحاد السوفييتي في أكبر حملة ضد الخطر الشيوعي، قتل خلالها أكثر من 20 ألف جندي سوفييتي وأنفق فيها 80 مليار دولار وراح الإعلام الأمريكي يروج لرامبو الأمريكي الذي يقاتل في صفوف المجاهدين. وبعد عشر سنوات تقريباً أعلن ميخائيل جورباتشوف في المؤتمر السابع والعشرين للحزب الشيوعي ان أفغانستان جرح في قلب الاتحاد السوفييتي، ثم تحركت جهود الوساطة بتدبير من رجل الأعمال الأمريكي اليهودي أدموند هامر الذي كان له باع طويل في العلاقات بين السوفييت والأمريكان وبين الصينوأمريكا أيضاً هذا الرجل قام بالعديد من الزيارات السرية التقى خلالها بحكومة نجيب الله وبضياء الحق في باكستان وبالمجاهدين في بيشاور، إلى ان تبلورت اتفاقية جنيف عام 1988 التي تقضي بانسحاب الاتحاد السوفييتي بكرامة ويجب ألا ننسى الدور الصهيوني المستفيد دائماً والقابع في خلفية الأحداث، حيث تم الاتفاق على ترحيل نصف مليون يهودي روسي إلى اسرائيل وبعدها كان انهيار الاتحاد السوفييتي كقوة عظمى في غضون عام. نستنتج من ذلك أنها كانت حرباً أمريكية ضد موسكو عبر أفغانستان، استفادت منها في خاتمة المطاف الولاياتالمتحدةالأمريكية واسرائيل، على حين استمرت خسارة المجاهدين الأفغان في الداخل وانتقل الاعلام الغربي من مرحلة تشويه الجهاد الإسلامي إلى تشويه صورة الإسلام ككل. ومرة أخرى عقب أحداث سبتمبر الماضي تشن أمريكا حرباً ضارية من أجل مصالحها الاستراتيجية مستخدمة أفغانستان للمرة الثانية وعلى نحو سافر. مليار مسلم أو يزيد أغمضت أعينهم تحت تأثير مايبثه الإعلام الغربي والصهيوني دون أدنى دليل حقيقي على علاقة المسلمين بما حدث في 11 سبتمبر أو بانتشار الجمرة الخبيثة ولم يفكر أحد ان مايحدث هو نتيجة خطة صهيونية محكمة لضمان السيطرة على آليات صنع القرار الأمريكي أي إننا بإزاء مؤامرة جديدة للصهيونية العالمية تستخدم فيها أساليب جديدة بعد ان انتهت من الخطر الأحمر (الخطر الشيوعي)اتجهت إلى الخطر الأخضر أي الإسلام، هذا ما قاله نيكسون في مذكراته وما أعلنه في تصريحاته.