ما آخرها بعد قليل سوف يكون قديماً جدا، لذا أنقلك إلى فكرة قرأتها مؤخرا أرجو أن تتفكر فيها فالإنسان يا صديقي كائن يفكر!! يقول الخبر:« في الوقت الذي يُعلن فيه موت الكتاب، تفاجئنا الأخبار برواج كتب تحطم الأرقام القياسية في المبيع، كما هوكتاب الشاعر الإنجليزي، تيد هيوز الذي رحل مؤخرا، والذي يتحدث فيه عن الأسرار المتعلقة بموت زوجته». انتهى الخبر. بعد هذا ماذا نقول؟! هل نقول إن الكتب الرائجة تستجيب للقارئ السطحي، أو تسهم في نشر الثقافة السطحية؟! أعتقد أن هذا القول فيه تجاهل كبير لوجوه كثيرة من شرائح المجتمع، ولكن الأجدى والأكثر فائدة هو«إعادة النظر في مفهوم الثقافة، وفي طريقة الكتابة، بالدخول إلى المناطق المستبعدة من دائرة الاهتمام، والحفر في أراضٍ لم يجر الحرث فيها من قبل. فإذا كان الناس يهتمون بالأخبار المتعلقة بحياة الليدي ديانا أو بقضية مونيكا لوينسكي، فليس ذلك دليلاً على السطحية والابتذال، بل هو مدعاة إلى إعادة صياغة ثنائية العمق والسطح، أو الهام والمبتذل، على النحو الذي يكشف هشاشة الأعماق، أو أهمية ما نحسبه مبتذلاً أو تافهاً.. بهذا المعنى تتغذى الثقافة مما تهمشه أو تستبعده أو تخشى منه، أكثرمما تتغذى من معايير المثقفين ونرجسيتهم أو هواجسهم!!». ولكن هذا يقودنا إلى استفهام آخر، مفاده «ماالكتاب الذي يُقرأ وفق هذا التطور، وهذا المعطى؟!». لعل هذا السؤال «مفخخ»، لهذا سوف أحيله إلى المثقف الواقعي د. علي حرب الذي يقول بهذا الصدد :«إن الكتاب الذي يُقرأ، هو الكتاب الذي لا يقفز فوق الحياة، بل الذي يضاعفها بحياة أخرى، وهو الذي يقرأ العالم فيما هو يخلق عالمه، أو يصوغه الحدث فيما هو يغدو حدثاً بالذات!!». يقول الأستاذ محمد نور الدين أفاية:« الكتاب بشخوصه ورموزه ومجازاته، والتلفزيون بنجومه وصوره وبرامجه» هذا الصراع المحموم بين الكتاب ووسائل الاتصال والثقافة الأخرى، ما الذي يجدر بنا إزاء هكذا صراع؟! إذا كانت المعطيات التقنية لوسائل الاتصال، هي المعطى والحدث الجدير بالتأمل والذي من خلاله يتشكل معه الواقع المعاصر والوقت المعاش بصورة جديدة ومغايرة «فالخشية على الكتاب، هي أن يقفز الكُتّاب فوق المجريات والمستجدات كالعادة لكي يتعاملوا معها بعقلية ايدولوجية تبسيطية وحيدة الجانب، في حين أن الثورة الإلكترونية تفتح أفقا لعالم جديد، شرط أن نتعامل معها بصورة مثمرة، أي منتجة لأفكار ومفاهيم نساهم عبرها في المشهد الفكري، بدلا من أن ننشغل برجم العولمة ولوم التقنيات!!». من هنا، فالسباق هو مطالعة ما يحدث ويقع ويستجد، بعقلية تأملية تمتاز بالتواصل، وتشحذ المعرفة، وتطلبها من «واقعها المنظور» سعياً لإقامة توازن منطقي معروف، أو تفاعل معقول بين المفهوم والحاسوب وبين الثقافة والتقنية، وبين الاتصال المكتوب والمطبوع، وبين النمطين المرئي والمسموع. ونحن هنا ننتقل من «الإنتاج الثقيل إلى الإنتاج الناعم، ومن العمل اليدوي إلى أعمال المعرفة، ومن وسائل النقل التقليدية إلى الوسائط المتعددة، ومن الكلمة المطبوعة إلى الصورة المرئية، كذلك ننتقل من الأدلوجات إلى الاستطلاعات ومن الأطر القومية إلى الطوائف السبرانية* ، ومن المثقف البارز أو الكاتب اللامع إلى النجم التلفزيوني والرجل الميديائي* باختصار : «إنا ننتقل من زمن الجسم والورق إلى زمن الرقم والضوء!!». ولكن طالما أننا بصدد الحديث عن نهاية الكتاب والذي لن ولم ينته، يجدر بنا أن ندافع عنه أي الكتاب بوصفه كائناً صامتاً لا يستطيع شكوى، لا مدافعا عنه.. علينا أن نرعى حقوقه، إلى جانب الحقوق المحفوظة للمؤلف والناشر، بمعنى «أن نعرف ماذا نكتب وكيف نكتب؟! ولمن نكتب؟! ولا شك أن الكتاب «المهم»، الذي يقيم صلة مع القارئ هو الذي يثير الاهتمام ويلهب الخيال ويغذي الفكر، بقدر ما يكتب الوجود المعاش أو يسرد ويصوغ الأحداث، بصوة تنطوي على الثراء والخصوبة، أو على نحو عقلاني تنويري، أو بأسلوب فني جمالي» أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم!!. هامش: * الطوائف السبرانية: هي تلك المجموعات التي تمارس التحكم والضبط من خلال وصف للواقع أو العالم الناتج عن ثورة المعلومات التي تتيح، بتقنياتها المعقدة والفائقة الاتصال والمراقبة والعمل من على مسافات بعيدة. * الرجل الميديائي: هو ذلك الإنسان الذي يهتم بدرس وسائط الإعلام عامة، والنسبة إليه ميديائي أو وسائطي، ولامراء أن العصر يوصف الان بأنه عصر الميدياء أو الوسائط، مع الإشارة إلى أن العالم الفرنسي ريجيس دوربريه هو الذي افتتح حقل الميدياء، معتبرا ان الاهتمام لاينصب فيه على أشياء الواقع ومناطقه، بل على العلاقات بينها، كالعلاقة بين الاستعداد والعدة، أو بين الشعور والآلة، أو بين المثاليات والماديات. [email protected]