سؤال يخالجني علمياً أكثر منه في إطار إنشاء أدبي أو تفلسف بيزنطي! «كيف تجزم بأن تغيُّراً قد حدث في ساحة تراقب تغيراتها؟» ما يفعله المراقبون الملتزمون بالأسلوب العلمي هو مقارنة تفاصيل أوضاع الساحة في امتداد زمني محدد؛ ليروا إن كانت حركتها تقدماً أو تراجعاً إلى الوراء. وقد يضيفون إلى ما يختارونه من مؤشرات ما يتوصل إليه قياس الرأي العام من نتائج, عبر أسئلة يطرحونها على مجموعة عشوائية تحوي أعداداً كبيرة من المشاركين تمثل آراؤهم نسبةً يمكن اعتمادها، تنوب عن كل المجموع العام؛ ليُستخلص منها نسب مئوية للمقارنة بين فئات الرأي المختلفة الردود، فيرون كيف هو حكم المجموع على ما عايشوا أو يعايشون من ظواهر حياتية. للأسف, ليس لدينا بعد مؤسسة معتمدة تقيس اتجاهات الرأي العام. وتبقى المسألة اجتهاداً فردياً وتكهناً ودراسة عن بُعد وتحليلات غير مقننة لمؤشرات غير محددة ورصداً لآراء أفراد وفئات منتخبة. فكرتُ في هذه التفاصيل في أجواء احتفاءات اليوم الوطني وأنا أمرّ على تغطيات الصحف, وأشترك شخصياً في عدد من البرامج الإذاعية بدعوة للتعبير عن رأيي في الإنجازات، ثم وأنا أبحر متوقفة عند موانئ الفيسبوك وأرى تعبيرات تبادل التهاني تتزاحم عددياً مع تعبيرات الإحباط والنقد والتأفف من بطء المسيرة! الكم الهائل من التغطيات في كل الوسائل الإعلامية لا يتكلم عن مؤشرات المقارنة أو رتم التطور إلا إذا كانت النتائج في صالحنا! بل يتناول الساحة ومنجزاتها بتخير واعٍ لما يُسأل عنه, وما يُحدَّد من مجال الإجابة, في إطار إيجابي يضمن صدق الإجابة حتى وهي تتخير: ثمانية عقود منذ جهود المؤسس - رحمه الله - الذي زرع بذرة التغيير فأنتج خارطة دولة جديدة في المنطقة، وابتدأ حركة التطور وتدوين تفاصيله في التاريخ المحلي في مواجهة تعنت التخوف من فكرة التغير والتشبث بأمان المعتاد. والتعنت ومقاومة التطور هو ما يعايشه رجل أو امرأة الشارع المتململ انتظاراً.. فيتأفف! سألتني زميلة صحفية جادة في مقابلة صحفية بجريدة الجزيرة قبل خمس سنوات: ما أبرز القضايا (اقتصادية، إنسانية، عملية) التي تشغل بالك بوصفك متخصصة في التخطيط..؟ قلت وقتها: «قضايا كثيرة تشغل بالي، أهمها أوضاعنا الاقتصادية في منطقة الخليج كلها، وموقعنا مستقبلياً مقارنة بتطورات الاقتصاد العالمي. هل ما نراه من النمو المحلي الراهن فقاعة مؤقتة أم هو بناء دائم موعود بالاستقرار والنمو؟ واجتماعياً أراقب تطور الأوضاع فيما يختص بتفعيل دور المرأة وتوفير متطلبات نجاحها في المشاركة مثل تعديل الإجراءات الرسمية, وتوفير برامج التدريب والتأهيل والتخصص، إضافة إلى توعية المجتمع لتسهيل استيعاب طاقات المرأة والشباب في المعادلة الاقتصادية والتنموية. إنسانياً تخيفني ظاهرة العنف والجريمة التي كانت نادرة في مجتمعنا الخاص حتى وقت قريب؛ فأصبحت تواجهنا كل يوم، منّا تجاه الغير, ومنّا تجاه أنفسنا، ومن الغير تجاهنا. أما القضايا العملية فهي الإشراف على بناء منزل العمر في وقت محدود مقتطع بين دوام الوظيفة ومشاركتي في أنشطة البناء الاجتماعي والوطني داخل وخارج الحدود». قالت: لو وجهتِ رسالة إلى مسؤول لمن ستوجهينها؟ وماذا ستقولين له من خلال الرسالة؟ وأجبت: الرسالة أوجهها ليس لشخص فرد، بل لكل أعضاء مجلس الوزراء ومجلس الشورى، أذكرهم فيها بأن كل خطوة تقدم وتطور وإصلاح جذري تمت في تاريخ المملكة تمت بقرار جريء وقاطع للجدل يتيح لوجهة التطور أن تتحدد وتعلن بصورة مباشرة وواضحة لكل من يرغب؛ حيث لا يُقيَّد خيار الأغلبية من باب سد الذرائع أو وجهة السرب، وفي الوقت ذاته يترك للأفراد الحرية الفردية في تصرفاتهم وخياراتهم الشخصية فقط. لقد تم نشر التعليم العام وتعليم المرأة من هذا المنطلق وبالتوجه السليم نفسه يمكن أن تعالَج أمور مستجدة الآن لا بد أن يبت فيها بما يتوافق مع طبيعة ومتطلبات المرحلة مثل عمل المرأة وقيادتها السيارة. هل تغيرت الأوضاع في خمس سنوات؟ لا أجزم! ويظل الحلم! وفقنا الله جميعاً، وحقَّق من أحلامنا ما لا يضر بغيرنا. ويتواصل الحوار..