تحت شعار "التكنولوجيا وتكامل الاعلام العربي" انطلقت صباح أمس "الأربعاء" في مدينة دبي فعاليات منتدى دبي الإعلام العربي 2008ويستمر يومين، حيث سيختتم بحفل لتكريم الفائزين في جائزة الصحافة العربية وينظمه نادي دبي للصحافة تحت رعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإماراتالمتحدة نائب رئيس الوزراء حاكم دبي بحضور عدد من اصحاب المعالي والسعادة الوزراء والمسؤولين والدبلوماسيين من داخل الإمارات وخارجها والشخصيات الاعلامية المدعوة، ويشهد مشاركة أكثر من 500شخصية إعلامية في العالم العربي، في حين يشارك في الجلسات نحو 50متحدثاً من المغرب العربي ودول الخليج فضلاً عن الولاياتالمتحدة وبريطانيا وألمانيا وأستراليا، حيث سيتم التطرق إلى عدد من الموضوعات الهامة وتتركز في معظمها على دور التكنولوجيا المتطورة في دعم مجريات العمل الإعلامي مع التعرض لكافة الجوانب ذات الصلة وذلك في ضوء تنامي دور التكنولوجيا ومساهماتها في إفراز أشكال جديدة واستحداث تقنيات غيّرت وجه العمل الإعلامي خلال السنوات القليلة الماضية. وخلال الجلسة الافتتاحية، ألقى سمو الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد آل مكتوم، نائب حاكم دبي ورئيس مجلس إدارة مؤسسة دبي للإعلام الكلمة الرئيسية لمنتدى الإعلام العربي 2008والتي رحب فيها بضيوف المنتدى ونوه بمكانتهم البارزة في ساحة العمل الإعلامي العربي. وقال: لقد تمكنت دبي من تحقيق المكانة المميزة كمركز إعلامي عالمي المستوى، وتحقق ذلك في إطار تميزها الشامل على جميع المستويات، كمدينة عالمية الشكل والفعل، وأضاف: " لذلك رسخت دولة الإمارات العربية المتحدةودبي بصفة خاصة، من خلال هذا الإدراك مكانتها العالمية الإعلامية، بإطلاق المشروعات التي تجمع بين التكنولوجيا والإعلام فكانت مدينة دبي للإعلام ومدينة دبي للإنترنت". وحول المنتدى قال الشيخ مكتوم: "جاء منتدى الإعلام العربي انطلاقا من دبي ليكمل إطار صناعة صورة دبيالجديدة، ويشكل ساحة واسعة للقاء كبار رجال الإعلام، ويوفر لهم فرصة تبادل الآراء والحوار حول القضايا التي تهتم بواقع ومستقبل العمل الإعلامي في العالم العربي، الذي أصبحت التكنولوجيا شريكا أصيلا في صنعه". وأضاف: "وهاهو المنتدى يواصل مسيرته، ليصل هذا العام إلى دورته السابعة، وقد وضع أمامه مناقشة كيفية تحقيق أعلى استفادة ممكنة من التطور التكنولوجي الذي يشهده العالم حاليا". وقال: "لقد شهد الإعلام خلال السنوات الماضية تطورات كبيرة مستفيدا من التكنولوجيا التي حققت له عالمية التأثير، وجاء إعلامنا العربي ليتفاعل مع هذه التطورات، ويتأثر بها، ويستفيد من أدواتها، لذلك نراه الآن يلعب دورا بارزا ومشاركا في العملية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. لذلك فإننا نعيد التأكيد هنا على أهمية معرفة القائمين على الإعلام العربي بضرورة الاستفادة من أحدث ما تقدمه التكنولوجيا من ابتكارات تساهم في نقل المعلومات الصحيحة بسرعة ودقة وصدق". واختتم كلمته قائلا: "لكن ذلك لن يكون إلا من خلال متابعة قطاعات الإعلام الأخرى في دول العالم، والاستفادة من تجاربها، ومحاولة نقل خبراتها، لدعم حاضر الإعلام العربي ومستقبله". تحولت الورشة الأولى ضمن سلسلة الورش الافتتاحية للمنتدى وحملت عنوان "كيف يستجيب الإعلام الخليجي لتحديات التكنولوجيا" إلى حوار خليجي بامتياز حول الصراع بين قطاعي الإعلام الحكومي والخاص في ضوء التطورات التكنولوجية التي عززت المنافسة، والتحولات الاقتصادية التي فرضت أنماطاً جديدة من ملكية وسائل الإعلام وتمويلها. وتحدث في الورشة كل من احمد الشيخ العضو المنتدب لمؤسسة دبي للإعلام في دولة الإمارات العربية المتحدة، وجمال خاشقجي رئيس تحرير جريدة الوطن السعودية، وابراهيم البشمي رئيس هيئة التحرير في صحيفة الوقت البحرينية، في حين تولى إدارتها عبد الله المر الزعابي مذيع تلفزيون أبو ظبي. واحتل موضوع خصخصة الإعلام الحيز الأكبر من الجلسة، حيث تشهد منطقة الخليج تحولاً ملموساً نحو الإعلام المؤسسي كوسيلة للابتعاد عن الصفة الحكومية للإعلام ومظاهر التبعية لرقابة وزارات الإعلام ومواكبة التوجه العالمي نحو الإعلام الخاص كوحدة اقتصادية مستقلة قائمة على الإنتاجية والجدوى الاقتصادية في محاولة إلى التخلص من السلطة المطلقة للمعلن. وحمل أحمد الشيخ التطور التكنولوجي مسؤولية الانفتاح الذي شهده الإعلام في منطقة الخليج، بحيث أتاح البث الفضائي وغيره من وسائل الاتصال الأكثر تطوراً إجراء المقارنة بين النتاج المحلي وتوجهات الإعلام العالمي في ظل المنافسة على استقطاب الجمهور. وقال: "لقد ألغت دولة الإمارات وزارة الإعلام وتحولت عن الإعلام الحكومي إلى الهيكلية المؤسسية التي تخضع للرقابة الذاتية فحسب انطلاقاً من مبدأ الحرية والضمير الصحفي". ورفض الشيخ أن يكون الإعلام مؤسسة تجارية تفتقر إلى الرسالة على غرار الفضائيات التي تحتشد في توفير نافذة للرسائل النصية القصيرة، أو التي تسعى إلى الاندماج في مؤسسات إعلامية أكبر للاستفادة من دعمها المالي، في حين تعد الشراكات بين وسائل الإعلام لأهداف كتوحيد الأسعار الإعلانية أمراً أكثر فاعلية في المحافظة على رسالة الإعلام واستمراريته في الوقت عينه". وبين الرسالة الإعلامية والأداء التجاري، أكد الخاشقجي أن القطاع الخاص هو الوجه الطبيعي للإعلام، مشيراً إلى تجربة الشركة السعودية للأبحاث والنشر التي ألهمت المنافسة في السعودية بين المؤسسات الإعلامية من خلال عملها على إصدار المطبوعات المتنوعة استناداً إلى واقع السوق والإقبال والنجاح التجاري. ورأى أن الإعلام سيظل مرتبطاً ارتباطاً عضوياً ومادياً برجال الأعمال وأصحاب المال والنفوذ السياسي، لا في المنطقة فحسب بل في العالم. وقال: "لا أحد يمكنه وقف هذه العلاقة، أولاً باعتبار الإعلام واحداً من الأفكار المشروعة للأعمال، وثانياً لأن المؤسسة الإعلامية تتطلب العقل الاقتصادي لضمان استمراريتها". واعتبر الخاشقجي أن العالم يشهد باستمرار عمليات دمج بين مؤسسات إعلامية كبيرة وأخرى محلية صغيرة بهدف التوسع المشروع، الأمر الذي لا بد سيتجلى في السعودية حالما يسمح النظام القانوني والتشريعي بذلك، كما حدث في الكويت وغيرها". من جهته، اعتبر البشمي أن الإعلام بات يعايش حالة انفصام بين مؤسسات إذاعية ومرئية تابعة للحكومات، وأخرى صحافية خاصة، ومجتمع إعلامي يحتل مساحات الإنترنت بالنقد لواقع كل من وسائل الإعلام المرئي والإذاعي والمكتوب، الخاضعين إما للسلطة السياسية أو لسلطة المعلن، معتبراً أن الوسيلة الوحيدة لتحقيق هذا النوع من التحرر هي إيجاد منظومة اقتصادية متكاملة لوسائل الإعلام تقوم على الإنتاج والربحية التي تضمن استقلاليتها. وشدد البشمي على أن التحولات التكنولوجية التي أفسحت المجال للتعبير الحر بعيداً عن الرقابة، لم تترك الخيار للإعلام الحكومي بالاستمرار، علماً أن المشاهد الخليجي لم يعد يشاهد وسائل الإعلام المحلية، في وجود الفضائيات المتنوعة والتي تعطي صورة أكثر شمولاً للأحداث. وشكل موضوع ندرة الكفاءات المهنية والإدارية في المؤسسات الإعلامية الخليجية جانباً آخر من البحث في تأثيرات التطور التكنولوجي، بحيث أجمع المشاركون في الحوار على عدم التوافق بين مخرجات التعليم الجامعي في التخصصات الإعلامية وبين واقع العمل الإعلامي، إذ أشار أحمد الشيخ إلى تعذر إيجاد الإعلاميين المؤهلين للتحرير التلفزيوني وإعداد البرامج والفنيين الذين يتمتعون بالكفاءة والمعرفة بالتقنيات وأجهزة البث التلفزيوني الحديثة. ورد الخاشقجي مشكلة الافتقار إلى الإعلاميين الأكفاء إلى استمرار المفهوم السائد حول العمل في القطاع الحكومي، بحيث يتحول أكثر من 80في المائة من خريجي كليات الإعلام في السعودية نحو العمل في مجال العلاقات العامة المدرجة ضمن الوظائف الحكومية أو الإعلام المرئي التابع لوزارة الإعلام، في حين تتجه قلة من الخريجين المتبقين إلى العمل في الصحافة المكتوبة. ودعا البشمي إلى العمل المشترك بين الجامعات ومؤسسات التعليم العالي ومراكز التدريب من جهة ووسائل الإعلام من جهة ثانية للوقوف على متطلبات العمل الإعلامي في ضوء التطورات التقنية. وتحولت ورشة العمل الثالثة التي عقدت تحت عنوان "وسائل الإعلام العربي وتسرب الكفاءات" ضمن اليوم الأول لمنتدى الإعلام العربي 2008إلى مسرح للجدال وتبادل وجهات النظر حول التأثير المزدوج للهجرة الإعلامية من دول المشرق العربي لمنطقة الخليج والدول العربية أو الأجنبية الأخرى سواء على بلاد المهجر أو على الكفاءات الإعلامية في ظل التطور المتواصل للتقنيات الرقمية والتغيرات الكبيرة في صناعة الإعلام العربي. وأرجع المشاركون في ورشة العمل الثالثة التي أدارتها نجوى قاسم المذيعة في قناة العربية، الأسباب الرئيسية لتسرب الكفاءات الإعلامية من بلاد المشرق العربي التي يقصد بها بشكل خاص بلاد الشام، إلى انخفاض سقف الحريات في بلدان المشرق العربي، وبطء التطور التكنولوجي لوسائل الإعلام في هذه البلدان إضافة إلى العامل المادي، في الوقت الذي يشهد الإعلام الخليجي، الذي اعتبروه المقصد الرئيسي للإعلاميين المهاجرين، حالة من التطور المصحوبة بارتفاع في هامش الحريات فيما يتعلق بالقضايا العربية. وقال جميل مروة، رئيس تحرير ديلي ستار اللبنانية، إن وسائل الإعلام المتمثلة في الفضائيات والقنوات التلفزيونية ليس لها نطاق جغرافي، موضحاً أنه لا يمكن أن ندّعي أن هناك ما يسمى بإعلام المشرق العربي حيث الوضع الإعلامي في معظم هذه البلدان يعاني من عدة عوامل ففي سوريا تحول الإعلاميون إلى موظفين، وفي الأردن الوضع ضعيف، وفي فلسطين حالت الأوضاع المعيشية دون التطور الطبيعي للإعلام الفلسطيني بالرغم من أن الإعلاميين الفلسطينيين ساهموا بشكل رئيسي في تطور الإعلام اللبناني الذي يعتبر هو المتبقي حالياً على ساحة إعلام بلاد المشرق العربي. وأضاف مروة، أن الصحافي اللبناني لم يعد لديه قدرة على التواصل الحقيقي مع مجتمعه حيث انحصر الوضع في لبنان تحت سيطرة المليشيات وفي هزالة المفردات السياسية وما ينم ذلك على هزالة الموقع السياسي للبنان، مشيراً إلى أنه ساهم في إعطاء الفرصة لمزيد من تسرب الكفاءات الإعلامية اللبنانية عبر اجتذابهم للعمل خارج لبنان، معتبراً في نفس الوقت أن التسرب لا يمكن إرجاعه فقط إلى عوامل مالية بل هناك عوامل أخرى تأتي في الأهمية قبل العامل المادي. وأشار مروة إلى أنه كان يتمنى أن يرى مقابل التسرب الإعلامي من بلاد المشرق العربي إلى منطقة الخليج توظيف للمال الخليجي للاستثمار في إعلام بلاد المشرق، ولمن يبدو أن هذا التوجه اصطدم بالعديد من الحواجز من أبرزها الأوضاع القانونية في هذه البلدان التي مازالت قاصرة على التعامل مع الميزات الخليجية. وبدوره قال خيري منصور الكاتب الأردني، إن هناك نطاقين لنزيف الأدمغة الإعلامية هما النطاق العربي والنطاق الكوني أو العالمي، موضحاً أن عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي في بلدان المشرق العربي، أدى إلى ازدياد الهجرة باتجاه منطقة الخليج وإن كانت الهجرة من بلاد الشام -حسب رأيه- لها تاريخ طويل وقصص درامية متنوعة. وأضاف منصور إن هناك فجوة طبقية هائلة في بلاد الشام نتيجة هروب الطبقة المتوسطة حيث إن الهجرة أفرغت بلاد الشام وكذلك مصر من طبقتها الوسطى وفي نفس الوقت عملت على ولادة طبقة مماثلة في الدول المهاجر إليها، معرباً عن اعتقاده بأن العربي سيظل مستمراً في عملية الهجرة باعتبار أن الثقافة العربية هي الوحيدة التي بدأت بالهجرة وكأن الهجرة هي قدرها. ومن جانبه ذهب حافظ البرغوثي رئيس تحرير صحيفة الحياة الجديدة، فلسطين، في اتجاه آخر عندما قال إن الهجرة في كثير من الأحيان لم تكن بحثاً عن فرصة عمل أو ثروة بقدر ما هي بحث عن حيز من الحرية تسمح لهم بممارسة الصحافة التي يريدونها وليست كما تفرض عليهم، مشيراً إلى أنه على سبيل المثال كانت الصحافة الكويتية تعتمد على عناصر من سوريا ولبنان ومصر كل منهم لديه دوافع مختلفة. وأضاف البرغوثي إن ما ينساه الكثيرون أن كثيراً من الصحفيين في بلاد الشام تأسسوا في دول الخليج. ففي حقبة السبعينيات تحولت الصحافة الكويتية إلى مدرسة لتخريج الصحفيين الذين عادوا ليعملوا في صحافة بلدانهم، ولكن الكثير من الصحفيين العاملين في الخليج يعودون لبلدانهم لينطفئوا بدون سبب معروف. معتبراً أن هناك فضلا كبيرا للصحافة والإعلام الخليجي على الصحفيين القادمين من بلاد عربية لأنها صقلتهم وأعطتهم الفرصة بحيث أصبحوا قادرين على الإنتاج وتدريب صحفيين آخرين. وقال البرغوثي إن الصحافة اللبنانية لا تريد أن تتطور فهي لم يطرأ عليها أي تطورات من حقبة السبعينيات ولم تتعلم من المدرسة الإعلامية الموجودة في الخليج والتي هي عبارة عن تزاوج بين مدارس صحفية مصرية وشامية وعربية وأجنبية كذلك. معتبراً أن وسائل الإعلام الخليجية أكثر جاذبية لعدة أسباب منها العامل المادي، والعامل التقني المتطور بالإضافة إلى هامش الحرية المتوفر. أما عصام داري رئيس تحرير صحيفة تشرين، السورية، فيرى أن هجرة إعلام المشرق العربي إلى المغتربات بدأت حتى قبل ولادة الإعلام في بلاد الشام وهناك نماذج كثيرة تبرهن على ذلك حيث أسس لبنانيون صحفا في مصر قبل أن يكون هناك صحافة في بلاد الشام، كما أن هناك شاميين أسسوا صحفا في مصر والسودان وتونس ولندن وباريس، كما أن تجربة الأهرام بدأها الأخوان سليم وبشارة تقلا. وحدد أيضاً داري مجموعة من العوامل وراء هجرة الإعلاميين في بلاد المشرق إلى دول الخليج فبالإضافة إلى تدني مستوى المعيشة في بلدانهم وبحثهم عن مستوى أفضل هناك البحث عن فرصة أفضل على الصعيد المهني حيث يحول الصحفيون القدامى دون إبراز الصحفيين اللامعين الجدد مما يدفع الأخيرين إلى الهجرة بحثاً عن فرصة للظهور، مشيراً إلى سبب آخر وهو عدم الاستقرار الذي تعاني منه بلاد المشرق العربي على عدة أصعدة. واختلفت آراء حضور الندوة عندما فتح باب النقاش بين من رأى أن البحث عن الثروة هو الدافع الرئيسي للهجرة، ومن رأى أن البحث عن مستوى أعلى من الحرية هو الدافع الأقوى، وبين من رأى أنه لا مشكلة في الأساس من تحرك الكفاءات الإعلامية داخل عالم عربي واحد خاصة مع انخفاض الطلب على الإعلاميين في بعض بلدان المشرق العربي وارتفاعه في منطقة الخليج معتبراً أن هذا التحرك أمر إيجابي للطرفين.