اخترت الزميل الدكتور علي عمر جابر مديراً لمكتب صحيفة الجزيرة في جدة إبّان رئاستي الأولى لتحريرها بناء على معطيات الخبرة والكفاءة التي كان يتميز بها، فأتاحت زمالتي له وتعاملي معه، وما تتطلبه طبيعة العمل من تواصل وتفاهم فيما بيننا، لأعرفه أكثر وعن قرب سواء بما كان له آنذاك من علاقة أو صلة بالعمل، أو ما كان يندرج ضمن العلاقات الشخصية التي مهدت لها زمالة العمل، بكل مستجداتها وتفاصيلها وأحداثها، فإذا بي أمام صحفي وقيادي يعتمد عليه، إذ أهّلته خبرته وعلاقاته الشخصية لاستقطاب عدد من الصحفيين البارزين ليكونوا كتّاباً ومحررين بالصحيفة، أذكر من بينهم الدكتور هاشم عبده هاشم والدكتور عبدالعزيز النهاري والدكتور أيمن حبيب، وقد تحوّل هؤلاء فيما بعد إلى رؤساء تحرير لعدد من الصحف. *** لكن طموح الدكتور علي عمر جابر كان أكبر من أن يحصره ويبقيه سجيناً في العمل الصحفي الذي يستهلك منه الأيام والساعات، ويأخذ منه الليل والنهار حتى وإن كان فيه متميزاً بين جيله من الصحفيين، فإذا به يفاجئ الوسط الصحفي بترك موقعه في صحيفة الجزيرة وفي جامعة الملك عبدالعزيز حيث كان يعمل معيداً فيها والهجرة إلى تونس لإكمال تعليمه العالي، ليعود إلى الوطن بعد سنوات من التفرغ التام لأبحاثه ودراساته وقاعات المحاضرات في جامعته التونسية هناك دكتوراً في التاريخ، ليبدأ العمل من جديد في جامعة الملك عبدالعزيز حيث كانت تحتفظ له بمكان ضمن أعضاء هيئة التدريس فيها. *** ولعلنا نتذكر زاويته في عكاظ (موقف) وما كان يكتب فيها حين كان مديراً لتحرير الصحيفة خلال فترة رئيس تحريرها الأشهر عبدالله عمر خياط، ضمن كوكبة من الصحفيين البارزين في بدء انطلاقة صدور الصحيفة وفق نظام للمؤسسات الصحفية، إثر إلغاء صحافة الأفراد وحجبها عن الصدور، حيث كانت المنافسة بين هذا الجيل الذهبي من الصحفيين محتدمة لتقديم أكثر الأعمال الصحفية إثارة وجرأة وجدية، وكان الدكتور الجابر ضمن هذه الكوكبة التي اختفى نجومها، منهم من توفاه الله ومنهم من بقي حياً ولكنه آثر أن يختفي من المسرح. *** لقد فاجأني خبر وفاة الزميل العزيز الدكتور علي عمر جابر، لتختفي صورته وصوته العذب وعباراته الأنيقة إلى الأبد عن أسماعنا وأنظارنا، مثلما اختفى في السنوات الأخيرة من حياته عن مجتمعه وأحبائه وكأنه آثر أن يعطي ويخص كل ما بقي له من وقت في هذه الدنيا الفانية لأسرته الصغيرة التي وهبها من شبابه ومن عصاميته وحدبه عليها ما مكنها لأن تستمتع بجمال الحياة في أجواء سادها الحب والوئام والاهتمام بتربية الأبناء والبنات وتعليمهم والاطمئنان على مستقبلهم ضمن أهداف رسمها وخطط لها ورعاها الفقيد مع رفيقة عمره إلى أن مات ليترك رنة أسى ودمعة حزن في نفوس كل من عرفه أو صادقه أو كان قريباً منه. *** رحم الله الزميل والصديق الغالي الدكتور علي عمر جابر، وألهم أهله وذويه وكل محبيه الصبر والسلوان، سائلين الله أن ينعم عليه برضاه وعفوه ومغفرته، وأن يسكنه فسيح جناته مع الصالحين والمتقين وأولئك المبشرين بها.