تعاني حواراتنا الفكرية من ثلاث مشاكل أساسية، الأولى تتمثل في رفض النقد بجميع أشكاله سواء كان هذا النقد بناء او غير ذلك، وذلك لأن الذين يرفضون النقد يعتقدون انهم مستهدفون وان هذا الناقد يريد من خلال نقده ثأرات شخصية تتعلق بشخصياتهم هم وليست بموضوع النقد المطروح, والثانية هو عدم تفريقنا بين الإنسان وبين فكرته او اطروحاته. فعدنا نغضب من أحد الأفراد فإننا نرفض آراءه وأفكاره المطروحة بغض النظر عن مصداقيتها وحكمتها وملائمتها، إما إذا رضينا عليه فأطروحاته وش زينها بل اننا نحاول دائما تلميع أفكاره حتى لو كانت لا تعني شيئا او ركيكة جدا, ويدخل ضمن هذه الممارسة اتخاذ الرأي المسبق عن الفكرة وذلك حسب موقع طارحها بغض النظر عن فحواها. أما المشكلة الأساسية الثالثة فهي التفكير المتمركز على الذات او كما تقول الدكتورة هناء المطلق أستاذة الصحة النفسية بجامعة الملك سعود : التفكير الذي يعطي لكل شيء صفة شخصية وبذا فلا فرق بين الإنسان وبين الفكرة التي يطرحها وبالتالي فإن رفض الفكرة او نقدها يعني رفضه هو كله . إعادة حواراتنا الفكرية فإذا استعرضنا المشاكل الثلاث وجدنا اننا في أمس الحاجة إلى القيام بإعادة حواراتنا الفكرية على أساس سليم محاولين تفادي هذه النقاط او المشاكل التي حتما تعتبر نقاط ضعف وحاجزا في طريق أي تطور ملموس، فالمسؤول يجب ان يعي اهمية النقد وانه مرآة للتطور والتقدم وعين خامسة للعيوب والأخطاء، كما اننا يجب علينا جميعا عدم الربط بين علاقتنا او محبتنا او مركز الشخص وبين الفكرة او المشروع المطروح, ومن جهة اخرى يجب على الناقد ان يعي انه عندما تُرفض فكرته او تُنقد او يوضع عليها بعض الملاحظات فإنه شيء طبيعي وهو بالتأكيد ليس رفضا لشخصه وإنما للفكرة المطروحة. كثيرون في الساحة الرياضية من يغضب عندما ترد عليه او تنقد بعض اطروحاته ويعتبر انه هو المرفوض ولكن هناك الكثيرين ممن يتعاملون مع الحوار الفكري من خلال أرفع مستوياته وبذلك يتقبلون النقد والنقد المضاد او Counter Critique . والأستاذ تركي الناصر السديري أحد القلائل الذين كلما اختلفت معهم كلما ارتفع مستوى الحوار وتطور, وانطلاقا من هذا المنهج الحضاري قمنا بقراءة نقدية لموضوع الأستاذ تركي المنشور في جريدة الجزيرة يوم أمس الأول تحت عنوان الكرة الخضراء في آسيا 2000 : ابحث عن الأمانة !! بعد تجردنا من صداقتنا وعلاقتنا الحميمة بالأخ التركي واتخاذنا الموضوعية والعلمية اسلوبا ومنهجا. فبعد البحث بأمانة في موضوع ابحث عن الأمانة ,,, ! وجدنا وبكل امانة ان الموضوع احتوى على بعض الأفكار الجيدة لتطوير الرياضة السعودية ولكنه في نفس الوقت احتوى على بعض الاسقاطات من كاتب كبير، لن نتحدث عن الايجابيات في الموضوع لأنها قد تحدثت بالفعل عن نفسها غير اننا سوف نورد بعض النقاط لتوضيح بعض اللبس وبعض المفاهيم الخاطئة وبعض سلبيات الموضوع النقدية وذلك من وجهة نظرنا الخاصة والضعيفة . سحب اللاعب ,, هل يستحق هذه المساحة ,,,؟ أولا: أخذ الموضوع حيزا ومساحة كبيرة وهو يدل على قدرة الكاتب على الكتابة والإنشاء والاسلوب الجميل، ولكن تبقى هناك اسئلة حائرة: هل حادثة سحب اللاعب المذكور تستحق كل هذه المساحة؟ أو بمعنى آخر هل هي تحتاج كل هذه المساحة للشرح والتوضيح؟ ولماذا لم يتم التطرق إلى الحادثة المشابهة التي حدثت من مسؤول آخر للاعب آخر أمام قناة أخرى؟! ولنفترض ولنختلف ولنتفق بأن أسلوب سحب اللاعب خطأ، فهل هذه هي مشكلتنا الوحيدة وانتهت كل المشاكل؟! إذا كان الأمر كذلك فالأمر محلول خلال ساعات أو ربما دقائق ,, !!. الشهادات العلمية ثانيا: ان ارذل وأمقت درجات الحوار الفكري عندما ينزل الحوار إلى مستوى التجريح الشخصي والنيل من شخصية صاحب العمل او الفكرة المنقودة وهو أسلوب غير حضاري ومستهجن وممقوت والأخ تركي من أكثر الناس معرفة بأساليب الحوار الحضاري ومن أكثرهم تحمسا وحسب معرفتنا به لرفع مستويات الحوار دائما,, يبدو ان الأستاذ تركي لم يسعفه الحظ هذه المرة ودفعه حماسه الوطني إلى النزول بمستوى النقد إلى مستوى التجريح الشخصي, نحن هنا لا ندافع عن الأستاذ عبدالرحمن الدهام او عن زملائه بالأمانة فهم قادرون على فعل ذلك ولكننا ومن باب المساهمة في حوارات التطوير الرياضي نرى ان التطرق إلى مستوى الشهادات العلمية والتقليل من عقلية من يحملها كذلك التقليل من شهادات المعاهد التكميلية واستخدام مصطلحات معينة تبعد الحوار والنقد عن الموضوعية والهدف المنشود، وللتذكير فإن هناك رؤساء دول وعلماء ومخترعين لم يحصلوا حتى على شهادة الكفاءة المتوسطة, فهل المهم هو الشهادة العلمية العليا ام أداء العمل باتقان ,,,؟! ثم هل ندرك بأن الاتحادات الأوروبية لكرة القدم غير مزدحمة بحملة الشهادات العليا كما يعتقد الأخ تركي ,,, ؟!. التعرض للقيادات الرياضية ثالثا: ان التعرض لقيادات رياضية وهذا الكلام ليس موجها للأخ تركي وانما لجميع الكتاب والصحفيين لا يخدم التطور الرياضي، فالتعرض او النيل من شخصية رجال خدموا الرياضة السعودية كالاستاذ عبدالرحمن الدهام او الدكتور صالح بن ناصر او الاستاذ إبراهيم العلي او الاستاذ علي داود او الاستاذ محمد المرزوق أو غيرهم ليس في مصلحة تقدم الرياضة السعودية، فهؤلاء رجال أفاضل خدموا الرياضة وافنوا غالبية سنوات عمرهم في خدمتها وهم بحق يعتبرون رموزا للرياضة السعودية, وهناك فرق عندما يتم نقد او اقتراح موضوعات معينة كسحب اللاعب او الدعوة إلى السعودة او ملاحظة خلل ما او رفع اقتراح ما وبين التركيز على شهادة المسؤول او التقليل منها او التركيز على ملبسه ومنظره وعقليته ولحيته وشيبه,, الخ، فالأول يعتبر نقدا موضوعيا وحضاريا، أما الثاني فهو غير موضوعي وغير حضاري ويعتبر كذلك إحدى علامات أفلاس من ادوات وأساليب ومعلومات النقد الموضوعي والحضاري. المتخصصون أكاديمياً رابعا: يركز الأستاذ دائما على أهمية الشهادات العليا المتخصصة وهو عين العقل والأسلوب المتبع في الدول التي سبقتنا في هذا المجال، وبالمناسبة فالأستاذ تركي أحد القلائل الذين يحملون رسالة رفع العلم والشهادات الأكاديمية وهو الشيء الذي يشكر عليه، غير انه هذه المرة دفعه حماسه للخلط بين بعض المهام والواجبات وبعض التخصصات، فما هي علاقة شهادة المحاسبة والاحصاء بأمانة اتحاد كرة القدم؟. ويقول الأستاذ تركي ان هناك 65 تخصصا اكاديميا رياضيا!! فهل هو يقصد متخصصا او تخصصا فإذا كان المقصود تخصصا فهو غير صحيح، أما إذا كان يقصد متخصصا وهو الأقرب فهو رقما مبالغ فيه كثيرا، فالمتخصصون من أبناء الوطن لا يتجاوزون خمسة وعشرين أكاديميا ثلثهم ليس تخصصا كاملا، ثم ان الرئاسة العامة لرعاية الشباب بذلت جهدا بارعا في استقطاب هؤلاء المتخصصين للعمل بالاتحادات الرياضية منذ اكثر من تسع سنوات، فهل يعلم الأخ تركي ان ثلاثة أرباع هؤلاء الذين يتحدث عنهم هم أعضاء مجالس اتحادات رياضية ولجان رئيسية وفرعية، وهل يعلم ان الغالبية العظمى منهم يعملون بالاتحادات الرياضية بصورة مباشرة او غير مباشرة منذ أكثر من ثماني سنوات, فهل تريد التشكيل الجديد ان يكون عبارة عن رقعة شطرنج تنقل لاعبا من خانة إلى اخرى ام هل تريد ان يستمروا في ما هم عليه وانت تشدد على التغيير والتطوير ,,, ؟! وللمعلومية يا أخ تركي فإن عدد المتخصصين الذين تدعو إلى الاهتمام بهم دائما هم لا يزيدون عن خمسة وعشرين اكاديميا على أقصى تقدير وعدد الذين لم يتشرفوا بالعمل بالاتحادات الرياضية منهم لا يتجاوز عدد أصابع اليد فقط، ثم ان هنالك معلومة اخيرة نريد ان نشارك بها القراء بأن هناك فرقا بين الدراسات الرياضية او Soprt Studies وبين التربية البدنية او Physical Education وعدد المتخصصين بالدراسات الرياضية بالمملكة من الوطنيين يتراوح ما بين 3 إلى 5 أكاديميين. تذكير واجب أخيرا: دائما ما يقترح الأخ تركي وغيره من الكتاب أسماء لضمها للتشكيلات الجديدة وهذا عمل طيب ويشكرون عليه، غير انه يجب التذكير بأن هنالك أسسا يجب ان يقوم عليه أي تشكيل لأي اتحاد فالاتحاد الرياضي أي اتحاد يعتبر عبارة عن اتحاد للأندية المشاركة في انشطته وبرامجه، فالمادة الثانية من الفصل الأول من النظام الأساسي للاتحادات الرياضية واللجنة الأولمبية العربية السعودية يقول: يتكون الاتحاد الرياضي لكل لعبة أو نشاط رياضي من الأندية والأجهزة والمؤسسات التي لها نشاط ملموس في لعبة أو نشاط الاتحاد، وعليه فإن التشكيل أساسا يبدأ من الأندية الرياضية والأجهزة والمؤسسات ذات العلاقة ثم بعد ذلك تتم الاستعانة ببعض الكوادر خاصة ممن يحملون شهادات علمية، ولكن على شرط ان يكون هذا الشخص على علاقة بتلك اللعبة كأن يكون لاعبا سابقا رسميا في اللعبة او متخصصا اكاديميا في موضوعات ذات علاقة باللعبة، ويجب التذكير بأن من ابتعد عن كرة القدم وانشطتها سواء من خلال التدريب او التحكيم او الإدارة او الدراسة والبحث لا يجوز له الانضمام إلى أي تشكيل جديد، كما هو معمول به دوليا حتى لو كان هذا الشخص أشهر لاعب وطني ويحمل شهادات عليا. وفي الختام أعرف تمام المعرفة ان الأستاذ تركي الناصر السديري سيتقبل هذه الملاحظات البسيطة بروح رياضية كما عودنا فهو مازال أحد النقاد الرياضيين الكبار. Kbahouth@ yahoo. com