رغم بساطة حياتنا في الماضي.. لكنها تميزت بالعمق الاجتماعي وبسياق قوي الترابط وأطر أكثر ارتباطاً بالإنسان وليس بالمادة وبجوهر الأشياء ومعانيها وليس بظاهرها ومظهرها.. ولعل الزواج دليل أوضح على ما كانت عليه علاقات المصاهرة وأركانها وما ارتكزت عليه من قيم الترابط وتيسير الزواج وسرعة إتمامه وترسيخ أركان البيت وصلات الأرحام بالمودة والتيسير وليس بالشروط, والإنفاق على ما يفيد حياة الزوجين ويستر بيتهما. اليوم ومنذ أن الفت الطفرة الاقتصادية بآثارها على العلاقات الاجتماعية، شهد المجتمع ويشهد تغيرات سلبية أحدثت انقلاباً خطيراً في هذه العلاقات ومنها صلات المصاهرة.. وبدلاً من تطويع المال لتيسير الزواج وعدم إرهاق الزوجين، نجد الزواج وقد أصبح أشبه بالصفقة، يشهد جانباً أهل الفتاة، بين الهدايا ومواصفات لأساس بيت الزوجية بلغ حد اشتراط البعض أن يكون من الأثاث الفاخر لفرش الفيلا أو الشقة وكأن ذلك من أركان السعادة الزوجية أو على أساس تقام البيوت.. ويرحم الله أيام زمان حين كان المعيار هو كنز الأخلاق ونفوس الرجال وطيب البيوت - وإن ضاق الحال - عكس مقاييس الطفرة التي لم يبقى منها سوى مظهرها الخادع من شروط في مستوى المعيشة ومن سيارة وغالباً خادمة.. والمحصلة الإجمالية لكل ذلك فاتورة باهظة على الشاب أن يدفعها صاغراً غير مختاراً..!! لذلك أقول: لو توجد حكمة وبصيرة لأبصر أهل الفتيات، بل أهل الزوجين والمجتمع أن من يزوجوهم أحق بكل ريال ينفق في غير محل على مظاهر كاذبة خادعة صنعناها وصدقناها لنضع على كاهل أبنائنا أحمالاً وأعباء ثقيلة من الديون ونقص في الأموال تنغص عليهم حياتهم منذ الخطوة الأولى في مشوار الحياة الزوجية.. فلماذا هذا التعجيز ولماذا المغالاة حتى في الهدايا لأهل العروس.. ومن أجل ماذا.. ومن أجل من الاسراف في تكاليف الافراح؟ أسئلة محيرة ومؤسفة تكشف العورات التقسية والاجتماعية في واحدة من أدق علاقاتنا الاجتماعية وأوثقها وهي المصاهرة فالزواج أصبح أمتحاناً، بل سلسلة من الاختبارات الصعبة التي يتعين على الشاب تجاوزها حسب قدرته على تلبية شروط أهل الفتاة لا يهمهم ظروف الشاب ولا كيف يدير تكاليف الزواج حتى لو كان بالاستدانة أو الافتراض أو التقسيط المرهق. أليس من الأكرم والأفضل أن تعين الشباب والفتيات على إتمام زواجهم والتيسير عليهم بالمهر القليل وكما قال صلى الله عليه وسلم أن أيسرهن مهراً أكثرهن بركة.. ولماذا إصرار كثيرين عن إقامة الحفلات في قصور الافراح والفنادق بغير استطاعة فيما تتسع أسطح المنازل لأفراحنا بتجهيزات بسيطة؟ ولماذا الطرب الصاحب للنساء وقد تحول إلى حفلات مكلفة بلغت حد الظاهرة، بينما كان يقام بالدفوف، وهو ما سمح به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لاحتفالات النساء، ولماذا أنواع الطعام لإسكات السنة النساء المدعوات ونظراتهن النافذة فإرضاء الناس غاية لا تدرك.. وقد نهانا الله تعالى عن الإسراف: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (31) سورة الأعراف. يا أهل الخير.. افعلوا الخير تجدوه.. ولن تجدوه في تقاليد أفرزتها الطفرة، لقد ولت عنا الطفرة وتمسكنا بمظاهرها التي ترهق الفرد والأسرة والمجتمع ولا سبيل لنا بتصحيح تقاليدنا المستحدثة إلا بإعادة.. روح التعاون التي حث عليها ديننا الحنيف في تزويج الشباب لا ان نحبطهم ونرهقهم مادياً وتعجزهم بشروط المهور التي تستنزف سنوات من عمر الشباب الذين لا حول لهم ولا قوة، فهم موظفون. أرى لو أن أهل الزوجين اتفقوا على الضروريات والأساسيات لأسرعنا بكثير من الزيجات وساعدنا أبناءنا وبناتنا على إقامة البيوت على الاستقرار لا الهموم والديون.. أليس من الأجدى إقامة البعض لأفراحهم في ساحة قريبة من المنزل أو فوق سطحه ونوفر المال للزوجين.. أليس من الأنفع لهما أن نيسر زواجهما بالمعقول من المهر بالتراضي إذكاء للموادة والمحبة في حياتهما.. إن علينا أن نغير نظرتنا لمفهوم الزواج.. فهناك ما هو انفع ويعود بالخير على الأسرة الجديدة، والسعادة لا تقوم على المغالاة في المهور وإنما على ما هو وأكثر جدوى وهو تكاتف أهلا لزوجين وتيسير ما بينهما من متطلبات مشتركة، فكل المظاهر تنتهي مع مغادرة آخر مدعو أو مدعوة للحفل.. فهل نرضي الناس لنكون محل أحاديثهم وإعجابهم بالطعام والمظاهر الخادعة ثم نصبح بعد ذلك محل شفقتهم أو انتقاداتهم لما بين الأرحام من مشاكل أو زيجات متعثرة بسبب الظروف الاقتصادية التي دخل الزوجان في نفقها بسبب غلاء المهور والإسراف على المظاهر وشروط أهل العروس وربما يبلغ الحد انفصام عرى المصاهرة بسبب تلك الاعباء.. قال تعالى: إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ (11) سورة الرعد، هدانا الله سواء السبيل. حكمة يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لا تعتمد على خلق أحد حتى تجربه عند الغضب.