يعرف النظام الإيراني أنّ منافسه التركي قوي، داخلياً وخارجياً، والطلب على لعبه دوراً مؤثراً منافساً لطهران، يزداد في أي شأن إقليمي، ولا سيما على الصعيد العربي. كذلك بات النظام الإيراني في حالة تأزّم حرجة، بانتظار « رضوخ « واشنطن إلى مطالبه الكثيرة، أهمها أن تُسلّم إدارة أوباما بدوره شريكاً حصرياً لها في إدارة المنطقة. غير أنّ الإدارة الأمريكية تعرف أنّ النظام الإيراني يطمع، بالتدريج، أن تستسلم واشنطن لمآربه، وتُسلّم « الشريك « الإيراني مهمة إدارة شؤون المنطقة برمّتها. أنقرة ربما تمكّنت، على الأقل، من إقناع إدارة أوباما، بأنّ حلّ مشكلات المنطقة العربية، لا يمكن أن يتمّ بغير الدور التركي السنّي، الذي يستطيع أن يتفاهم مع أهل السنّة، الذين يُشكّلون 82 بالمائة من مسلمي العالم. من الطبيعي أن يكون حزب العدالة والتنمية، الحاكم لتركيا، قد نبّه واشنطن، بما لا يقبل اللّبس، إلى أنّ الاعتماد على طهران الشيعية، قد يؤدي إلى تحوّل غالبية السنّة إلى إرهابيين، كرد فعل على التحدي الذي تمارسه باستعلاء طهران الشيعية ضد العرب والمسلمين السنّة، الذين أيقنوا أنّ طهران الشيعية اعتمدت ركوب القضية الفلسطينية مطيّة إلى تحقيق أطماعها. وأبلغت الإدارة التركية نظيرتها الأمريكية، عبر دراسات وبحوث ميدانية استراتيجية وُضعت تحت إشراف وزير خارجيتها أحمد داوود أوغلو، بأنّ قضية فلسطين هي قضية أهل السنّة بامتياز، وأنّ النظام السوري تعمّد إدخال إيران إلى العالم العربي، وتحديداً لبنان وغزة وقضية فلسطين، لأسباب لا تخفى على أحد، إذا تعمّق في فهم ماهية النظام السوري وتركيبته الدينية والعلمانية، في الآن معاً. حتى العام 1501م، كان جلّ سكان إيران من أهل السنّة، إلاّ أنّ الشاه إسماعيل الصفوي، أعلن التشيّع مذهباً رسمياً، عندما دخل شيراز، ولم يكن تحت سلطته إلاّ آذربيجان. يُمثّل ظهور الصفويين قيام أول دولة فارسية تحكم إيران كلها منذ الفتح الإسلامي. ينتسب الصفويون إلى صفيّ الدين (توفي سنة 1334م) رئيس طريقة صوفية في أردبيل. ومن المعروف أنّ شيوخ أردبيل كانوا من أهل السنّة. وقد كثر أتباعهم بين قبائل التركمان، بدءاً بأردبيل ثم آسيا الوسطى حتى سورية. لكن في أيام الجد الأكبر للشاه إسماعيل خواجة علي الصفوي، حصل تغيير باتخاذ التشيع. ومنذ قيام الدولة الصفوية، تبلور الوضع في المنطقة، في دولتين عظميين، وبدأ الصراع بين الفرس والعثمانيين منذ أيام الشاه إسماعيل الصفوي، الذي فرض التشيّع في إيران، واستمر الصراع بين الجهتين أيام الدولة الصفوية والدول التي خلفتها في إيران، حتى الحرب العالمية الأولى.