أغلب الشعب المصري ساند الثورة الشعبية التي انطلقت في 25 يناير، وإذا ما حذفنا القلة التي كانت تحرم باقي الشعب المصري من خيرات بلاده والتي هيمنت وسرقت مقدرات البلد، فإن مصر كلها رحبت بالثورة، أيضاً دول الجوار - عرباً وعجماً وأفارقة - رحبوا بهذه الثورة التي كانوا ينظرون إليها على أنها بداية لإعادة مصر إلى موقعها سابقاً، موقع الريادة والتحرر والبناء، إلا أنه وللاسف الشديد انتقل الثوار إن صح التعبير والشارع السياسي بقضايا ستزيد مشاكل مصر وتفاقم أزماتها بدلاً من أن تساعد في معالجة المشاكل التي تعترض التنمية والتقدم، وتحولت الثورة إلى فوضى انتقامية من خلال تركيز الحركات والأحزاب السياسية على التطهير والإقصاء والمحاكمات والقصاص مثلما يرفعون من شعارات، وتحوَّل ميدان التحرير من رمز للثورة إلى معقل للفوضى والتمرد والعصيان ووقف العمل والحياة، حتى أصبح المكان بعد أن كان هدفاً لكل من يعمل من أجل المساواة والعدالة والحرية.. أصبح مكاناً يثير الضغائن والشجار والتناحر بين أبناء الشعب الواحد، بل حتى بين من أشعلوا الثورة حيث لاحظنا في آخر جمعة قبل رمضان شهدها ميدان التحرير من انقسام بين التيارات السياسية، ولعل هذا ما عجَّل في إنهاء الاعتصام في ميدان التحرير بعد أن أصبح مطلباً شعبياً، ولهذا فليس غريباً أن يتردد هتاف (الشعب يريد إخلاء الميدان) بعد نجاح الجيش والأمن في إنهاء اعتصام من بقوا في الميدان وإعادة الحياة والعمل للميدان الذي ظل طوال ثلاثة أسابيع معطلاً عن العمل مما تسبب في خسائر كبيرة لأصحاب المحلات والمقيمين حول الميدان والشوارع المتفرعة منه. الثورة في مصر كما في تونس وما تشهده سوريا وليبيا واليمن، إذا كان لها أسباب سياسية بوجوب توفير الحرية السياسية والديمقراطية والعدالة والمساواة والقضاء على الفساد فإن الفقر والتأخر في إنجاز المشاريع التنموية أحد أهم أسباب اندلاع الثورات، بل إن الفقر والعوز والحرمان هي أكثر الأسباب التي تدفع الشعوب إلى الثورة، ولهذا فإن من واجب الثورات العربية أن تبادر إلى إصلاح الأوضاع الاقتصادية، وأن تتوصل إلى وضع معادلة متكافئة بين التنمية والديمقراطية في وقت واحد، أما الانشغال بالجانب السياسي والتحول في المطالب إلى تصفية حسابات انتقامية وإهمال المصالح الاقتصادية وتعطل عجلة التنمية وضرب مقوماتها الأساسية كالاستثمار والسياحة من خلال تسيس الشارع وتعطيل العمل ووقف الانتحار، فهذا انتحار ذاتي إذا استمرت عليه الثورات وبالذات ثورة شباب مصر، وهو ما يمكن معالجته بدءاً من توصل الحركات السياسية ال 26 إلى قرار إنهاء اعتصام ميدان التحرير والتي يمكن القول بأنها بداية عودة وعي الثوار الجدد.