كلما تيسر لي الاستماع أو الاطلاع على جهود ونتاج الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم في مناطق المملكة الحبيبة غبطتُ هؤلاء العاملين في خدمة القرآن الكريم وأهله على ما هم فيه من نعمة عظيمة، واكتسابهم للخير الموعود من رسولنا - عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم - حينما قال في الحديث الذي رواه عثمان بن عفان - رضي الله عنه - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه». وجمعيات تحفيظ القرآن الكريم - التي بدأ نشاطها المؤسسي منذ خمسين عاماً وتحديداً عام 1382ه بمكة المكرمة - ساهمت خلال هذه المدة في أمور عديدة لا يتسع المجال لحصرها ولا عدها ويعي القارئ بأهمية نشرها وقراءتها، فكيف للكاتب بكتابتها وتسجيلها. ومن النتائج الملموسة لهذه الجمعيات هذه الأعداد الكبيرة من الحافظين والحافظات لكتاب الله الكريم الذين نرى نتاجهم قد وصل إلى الحرمين الشريفين المسجد الحرام والمسجد النبوي، فجل الأئمة الحاليين هم من الدارسين في حلقات التحفيظ، وهي المحاضن الأولى التي تعلموا فيها القرآن الكريم، ودرسوه تلاوة وحفظاً وتدبراً وتجويداً وإتقاناً وفيها تخلقوا بأخلاق القرآن الكريم وآدابه. ويوماً بعد يوم يتنامى دور جمعيات تحفيظ القرآن الكريم وجهودها في خدمة القرآن الكريم وأهله ولم يعد الأمر محصوراً في نشاطها على مجتمعنا المحلي فهاهي المقارئ الإليكترونية عبر الشبكة العنكبوتية « الإنترنت « تقوم بالتدريس والمراجعة وعبر أساتذة متخصصين بتدريس القرآن الكريم ويقومون بمتابعة تلاوات من يلتحقون بهذه البرامج في مشارق الأرض ومغاربها. ولم يقف دور الجمعيات عند حدود العناية بكتاب الله الكريم تعلماً وتعليماً وتلاوة وتجويداً وحفظاً ومدارسة والحث على العمل به والتخلق بأخلاقه بل تعدى ذلك إلى أدوار تربوية وخدمات اجتماعية في جهود كبيرة تذكر وتشكر، ولعل من أبرزها قيام مئات الشباب من الملتحقين بحلقات التحفيظ بمحافظة جدة بالمساهمة بعمل اجتماعي خدمي مشهود إبان أزمة سيول جدة الأولى والثانية فقد قام شباب التحفيظ مع المسؤولين في الجمعية بجهود إيجابية شهد بها أهالي المحافظة وأثنوا عليهم وكانت موضع التقدير والاحترام. وهاهي جمعية تحفيظ القرآن بمحافظة جدة وعلى رأسهم الأخ المحب المهندس عبدالعزيز حنفي تقوم بتكريم هؤلاء الشباب الذين لم يعملوا هذا العمل انتظاراً له وإنما كان عمله كما نحسبه والله حسيبهم خالصاً لوجه الله - سبحانه وتعالى - وليؤكد مجدداً أن جمعيات تحفيظ القرآن الكريم هي محاضن تربوية بناءة لا يقف دورها عند حدود تعليمه القرآن الكريم، وإنما تسهم كما هي المؤسسات الأخرى في بناء المواطن الصالح الذي يقوم بخدمة دينه ووطنه. وجمعية تحفيظ القرآن الكريم بمحافظة جدة إنما هي أنموذج لجمعيات تحفيظ القرآن الكريم في بلادنا وفي كل الخير والبركة وقيامها بالدور المنوط بها يتفق ويتسق مع العناية والاهتمام من ولاة الأمر - حفظهم الله - بغرس قيم الإسلام في نفوس أبناء المملكة وربط نفوس الناشئة بكتاب الله الكريم، واستمداد الخلق الكريم من النهج القويم، ولقد أدت هذه الجمعيات رسالتها في مجتمعنا من خلال تربية وتوجيه فئة كبيرة من المجتمع من الشباب، وتعدى ذلك إلى الدور الإصلاحية، والسجون، ونشأتهم على أخلاق القرآن الكريم وتعاليمه السامية، وآدابه الكريمة وكان لها الأثر التربوي الطيب في غرس تعاليمه السامية في نفوس الطلاب والتأكيد على وحدة المجتمع، وتقوية العلاقات بين أفراده بالحب والمودة والتآلف والرحمة، ونبذ كل ما يفكك أواصر المجتمع من الاختلاف والشقاق والعداوات والبغضاء، والتأكيد على السمع والطاعة لولاة الأمر، ولزوم الجماعة، ولذا فليس غريباً أن يهب أبناء الجمعية عند وقع أزمة السيول في جدة في خدمة الأهالي والمقيمين والمساهمة في النجدة والإغاثة في أثناء الكارثة وبعدها.