القاهرة - مكتب الجزيرة - حوار خالد المنشاوي قال اللواء منصور العيسوي، وزير الداخلية: إن وزارة الداخلية مثلها مثل أي وزارة أو جهة عاملة في الدولة، قامت بمجرد قيام الثورة وانتصارها بتغيير سياساتها ومعايير العمل بها لتعمل لخدمة الشعب كله وليس لحساب أحد.. وأشار الوزير إلى مشروعية كثير من أصحاب الاحتجاجات والمظاهرات الفئوية، وقال: إن كثيرين منهم على حق ويجب أن نستمع لمطالبهم وبحث شكاواهم.. وقال العسيوي في حوار ل»الجزيرة»: إن هذه الاحتجاجات شملت أيضاً ضباط الشرطة الذي أعلنوا عن مجموعة من المطالب المشروعة التي لا يمكن تجاهلها وخاصة تدني أجورهم.. وعندما جاء الحديث عن العلاقات السعودية المصرية أكد وزير الداخلية المصري على عمق العلاقات التاريخية بين البلدين الشقيقين، وهي علاقات ضاربة في القدم، كما أنها نموذج في العمل العربي المشترك، وقال: إن هناك تعاوناً وثيقاً بين وزارة الداخلية المصرية ونظيرتها في السعودية الشقيقة، وأن هناك لقاءات مستمرة بين الجانبين وأن هذه العلاقات تاريخية..السطور التالية تحمل مزيداً من التفاصيل.. نبدأ بالشارع المصري.. ألا يقلق وزير الداخلية من حالة الفوضى والتجاوزات الموجودة في الشارع؟ - هذه الحالة لا تقلقني لأسباب منطقية جداً، فإذا نظرنا إلى الثورات التي حدثت على مدار التاريخ سوف نكتشف مجموعة من الحقائق، الثورة الفرنسية مثلاً استمرت فترة كبيرة واستمر بعدها الانفلات الأمني لسنوات طويلة تجاوزت 19 عاماً وراح ضحية هذه الثورة والانفلات الذي صاحبها نحو 750 ألف مواطن فرنسي في الوقت الذي لم يكن تعداد فرنسا يتجاوز فيه عدة ملايين ولكن إذا عقدنا مقارنة بسيطة بين الثورة الفرنسية والثورة المصرية التي مر عليها 5 أشهر تقريباً فسوف نكتشف أنه لا يوجد أوجه تشابه بين الثورتين سواء فيما يتعلق بالفترة التي استمرت خلالها الثورة أو عدد الضحايا الذين فقدتهم مصر خلالها، لن نجد شبه مقارنة سواء في الفترة أو بالنسبة لضحايا الثورة، وبالتالي مهما حدث خلال الفترة الماضية لا يمكن أن نصف الثورة المصرية بأقل من أنها ثورة ناصعة البياض. ما هي الملفات الموجودة على مكتب وزير الداخلية حالياً؟ - بالتأكيد هو الملف الأمني ووجود الأمن في الشارع، وإن كان ما شهدته الفترة الماضية من انفلات أمني لا يرجع في الأساس لقيام ثورة 25 يناير ولكنّ هناك عجزاً في أفراد الشرطة على مستوى جميع المحافظات وهذا العجز موجود منذ سنوات طويلة والجميع يعرف هذا العجز وحاولت الوزارة معالجة هذه المشكلة مرة من خلال إنشاء معهد الأمناء ومرة أخرى من خلال معهد المندوبين وقبل ذلك كنا قد استعنا بالمجندين من أفراد الدرجة الثانية في الدوريات الموجودة في الشوارع وفي المرور وهو ما أثار مشكلة بسبب عدم إجادة بعض هؤلاء للقراءة والكتابة وبالتالي لا يتمكن من التقاط أرقام السيارات المخالفة، واتفقنا مع القوات المسلحة بحيث يتضمن الدفع التجنيدي القادم لوزارة الداخلية يتضمن مجموعة تجيد القراءة والكتابة ويمكن الاستعانة بهم واقتصر عمل هؤلاء على إدارات المرور في القاهرة والجيزة والإسكندرية والجوازات. ما الذي حدث إذاً حتى نرى الانفلات الأمني طالما أن العجز موجود منذ فترة طويلة؟ - الانفلات الأمني حدث لأن هناك ثورة قامت، وانكسر جهاز الشرطة بعد أحداث 25 يناير، وأصبح هناك حالة من عدم الثقة بين المواطن ورجل الشرطة، وبالتالي نجد المواطن في الشارع في حالة هياج، البلطجية الذين نزلوا إلى الشارع في الفترات التي أعقبت الثورة واقتحموا السجون وهرب عدد كبير من المساجين والمحتجزين في أقسام الشرطة، حيث هرب من السجون العمومية نحو 23800 سجين، هذا بالإضافة إلى الاعتداء على أكثر من 90 قسماً ومركز شرطة على مستوى الجمهورية وتم تهريب المحتجزين بها وسرقة محتوياتها من أسلحة وبالتالي لا بد من ترويع المواطنين من خلال هذه الأعداد التي بدأت تستغل فترة غياب جهاز الشرطة خلال فترة معينة وارتكبوا كثيراً من التجاوزات في الشارع وفي المستشفيات. لكن بماذا تفسر ما يحدث الآن في الشارع؟ - هناك سلبيات كثيرة حدثت في العهد السابق، وهناك احتجاجات من فئات كثيرة في المجتمع تطالب بعدد من الإصلاحات، وبالتالي كثرت المطالبات الفئوية، علاوة على أنه وعقب الثورة لن يكون هناك اعتراض أو تعرض من قبل جهاز الشرطة لأي مظاهرة سلمية تطالب بحقوق مشروعة. هل تعتقد أن المشاكل والاحتقانات الموجودة بين المسلمين والأقباط كانت بسبب تدخلات جهاز أمن الدولة المنحل؟ - لا يمكن القول بصحة هذا الكلام على الإطلاق، التدخلات الأمنية كانت في التصريح ببناء الكنائس أو إجراء الترميمات بها، وهذا كان يسبب احتقاناً شديداً جداً، ويتم معالجة ذلك في الوقت الحالي، ولكن لا يمكن القول بأن الشرطة تسعى إلى إحداث حالة من الاحتقان، لأن الفتنة الطائفية أخطر ما يمكن أن يواجه مصر، ولا يمكن لأحد أن يسمح بتطور فتنة طائفية لأن ذلك سوف يؤدي بالطبع إلى انهيار المجتمع المصري، وخلال الفترة القادمة لن تقحم وزارة الداخلية نفسها في هذه الأمور وسوف نعطي الفرصة للمحليات للقيام بهذا الدور في منح التراخيص الخاصة بإنشاء الكنائس أو المساجد وعمل الترميمات في المساجد أو الكنائس، وسوف يكون دور الشرطة محدوداً جداً في هذا الموضوع. ظهرت بعض الأصوات التي طالبت منذ فترة بإعادة هيكلة جهاز الشرطة؟ - علينا في البداية أن نفرق بين إعادة هيكلة الجهاز التي تعني إعادة تصميمه وبنائه من جديد، أو الهيكلة التنظيمية للجهاز، فلا يوجد توجه نحو إعادة بناء الجهاز من جديد، ولكن قمنا بإعادة هيكلة ما كان يسمى بأمن الدولة سابقاً، الذي أطلق عليه الأمن الوطني في الوقت الحالي، وهذا الإجراء كان لا بد منه بسبب التجاوزات الكبيرة التي حدثت خلال الفترة الماضية وكانت من أهم أسباب وجود الاحتقان بين المواطن المصري العادي وبين الشرطة كانت بسبب تدخلات أمن الدولة، كما أن التنظيم الجديد لجهاز أمن الدولة بعد هيكلته وتسميته جهاز الأمن الوطني لم يعد في اختصاصاته كل هذه الأمور التي يمكن أن تؤدي إلى احتقان بين المواطن ورجل الشرطة. ألا يوجد قلق من الشخوص ممن انتقلوا من جهاز أمن الدولة للعمل في جهاز الأمن الوطني؟ - هناك أنشطة كثيرة في جهاز أمن الدولة القديم كان القائمون عليها بعيدين تماماً عن حياة المواطن العادي، مثل كل ما يتصل بمكافحة الإرهاب والتجسس والنشاط الأجنبي والعربي والقنصلي، كل هذه الأمور لا تتصل بحياة المواطن العادي ويعمل الجهاز في نفس الوقت مع السفارات والقنصليات، واستمرار مثل هذه الشخصيات في الجهاز الجديد لن يؤثر على عمل جهاز الأمن الوطني لأنهم قبل أن يلتحقوا به لم يكن لهم علاقة بالمواطن العادي حتى يكون لهم علاقة به في الجهاز الجديد. هل هناك توجه لاستبعاد كل الخبرات التي كانت تعمل في الجهاز ولها علاقات وثيقة برموز النظام السابق؟ - هذه النقطة نود أن نلفت انتباه المواطنين إليها، وعلينا أن نرى ما يحدث في النظم المتقدمة، فحينما تحدث انتخابات حرة ويتولى إدارة الأمور أحد الأحزاب السياسية، فهل يتم تغيير كل موظفي الدولة في ظل النظام الجديد؟ وبالتالي يعمل كل موظف على تنفيذ برنامج الحزب الجديد، ونحن كذلك، ولدينا موظفون في كافة أجهزة الدولة، فهل كل هؤلاء مرتبطون بأعضاء النظام السابق، ولكنهم مترابطون بمؤسسة يعملون فيها، كما أن وزارة الداخلية وزارة منضبطة، والجميع يحترمون قرارات قياداتهم ويلتزمون بها، ولا يستثنى من ذلك أحد سواء وزيراً أو مدير أمن، ولو أن هناك أحداً منفلتاً فسوف يتم محاسبته، ولا تتخيل أن تؤثر قيادة من القيادات على قرار مدير أمن مثلاً، لن يحدث هذا الكلام، وإذا حدث فلا يوجد أي مانع من تغيير أي قيادة في أي وقت. هل هناك توجه لإصلاح الأوضاع المالية والمرتبات الخاصة برجال الشرطة؟ - هذا التوجه ليس موجوداً في جهاز الشرطة فقط، ولكنه توجه عام في الدولة، ولكن المرتبات في جهاز الشرطة متدنية وهناك في الجهاز من لا يكفي راتبهم لشراء 100 رغيف في الشهر، وبعيداً عن التوجه العام وقبل يومين كنت مع وزير المالية وقمت بعرض الموضوع عليه وكنا نقول بأن سبب عدم وجود رجال الشرطة في الشارع جاء نتيجة العجز في الأفراد والذي يتجاوز 43 ألف فرد، ورغم أننا أعلنا عن حاجتنا لسد هذا العجز من خلال توظيف مجموعة جديدة من أفراد الشرطة، ولكن لا يوجد إقبال رغم وجود بطالة، لأن المرتب ليس مجزياً. هل هناك إجراءات سوف تتخذها وزارة الداخلية ضد الضباط الذين يثبت تورطهم في قتل المتظاهرين؟ - علينا هنا التفريق بين رجل الشرطة الذي كان بعيداً عن المظاهرات وموجود في قسم الشرطة الذي يعمل به ووجد من يهاجمون مقر عمله بالأسلحة وبالتالي كان لابد من التصدي لهم، وهؤلاء ليسوا قلة وهناك عدد كبير من الضباط تم الاعتداء عليهم في مقر عملهم بقسم الشرطة، إذن علينا أن نفرق بين هؤلاء الذين كانوا يدافعون عن أنفسهم وعن مقر عملهم، وبين من يثبت تورطهم في قتل المتظاهرين العزل من السلاح وهؤلاء يجب محاكمتهم، ولكنّ هناك فرقاً بين محاسبة ضابط يدافع عن مقر عمله وبين من يتجاوز في حق المتظاهرين والموضوع الآن في يد القضاء، ولكن سوف تتخذ وزارة الداخلية إجراء بحق هؤلاء عقب إدانتهم من قبل جهاز القضاء وهناك إجراءات إدارية كثيرة سوف تتخذ بحق من يثبت تورطه في قتل المتظاهرين. هل سيؤثر إحراق وثائق جهاز أمن الدولة المنحل على عمل جهاز الأمن الوطني الجديد؟ - لن يؤثر، معظم الوثائق التي سربت كانت خاصة بفرع أمن الدولة في أكتوبر وجزء منها من مقر الجهاز بمدينة نصر، ولكن وثائق جهاز أمن الدولة محفوظة بشكل جيد وموجودة على الكمبيوتر ولم يتوصل إليها أحد، ومنذ قدومي وقبل إلغاء جهاز أمن الدولة وطلبت منهم قبل حتى استرداد مقرات أمن الدولة التي كانت تحت يد القوات المسلحة، طلبت منهم تشكيل لجنة لأن جهاز أمن الدولة جهاز قديم وموجود منذ عام 1913، وبه جزء كبير من تاريخ مصر، وهناك جزء كبير من هذه الوثائق لا تعنينا في الوقت الحالي، واتفقنا على تسليم هذه الوثائق لدار الكتب أو الوثائق القومية ليطلع عليها الباحثون والمؤرخون، ولن يستغل جهاز الأمن الوطني هذه الوثائق لأنها جزء من التاريخ، لأن الوثائق الخاصة بقبل عام 1952 لا تجدي في شيء. رئيس الأطباء الشرعيين الجديد قال: إن حالة الرئيس السابق تسمح بنقله لمستشفى السجن.. هل سيتم نقل الرئيس السابق لمستشفى السجن قريباً؟ - لقد قرأت ذلك في الصحف، ولكني اعتمد في هذا الأمر على خطاب يصلني من النائب العام يقول: إن حالته تسمح بالنقل، فسوف أقوم بنقله، ولكن إذا تم نقله لن ينقل في مستشفى السجن، وخلال الأسبوع الماضي قمت بزيارة لسجن طرة والمزرعة وقمت بمعاينة المكان للتأكد من الحراسات وحتى لا يحدث أي خلل، وشاهدت مستشفى سجن المزرعة، ووجدت أنها لا يصلح. هل ستمارس وزارة الداخلية نفس الدور الذي كانت تمارسه من قبل تجاه إصدار الصحف الخاصة؟ - لا طبعاً، وزارة الداخلية لم يعد لها أي دور في ذلك، فقد تم إغلاق ملف تدخل أمن الدولة في الجامعات والنقابات والعمل السياسي والأحزاب ولكن جهاز الأمن الوطني هو جهاز معلومة ويقوم بجمع المعلومات عن كافة الأنشطة التي قد تمس أمن مصر كدولة. نذهب إلى الاستثمار.. هل ترى أن الوضع الأمني أصبح يشجع على الاستثمار؟ - بالتأكيد، خاصة إذا نظرنا إلى حالة الاستقرار الأمني التي بدأت تسود الشوارع المصرية، وأعتقد أن أي استثمار يبحث عن معدلات الأمان وبالفعل تجاوزنا مرحلة الانفلات ونرحب بأي استثمارات عربية. هل هناك تعاون بين وزارة الداخلية المصرية ونظيراتها العربية؟ - نعم، هناك تعاون وثيق وقائم وتاريخي في علاقات وزارة الداخلية المصرية ونظيراتها في الدول العربية الشقيقة، فالعلاقات بين وزارة الداخلية في مصر ووزارة الداخلية في السعودية الشقيقة قائمة وتاريخية وهناك زيارات متبادلة وتنسق وتعاون مشترك في مجال العمل الشرطي، خاصة وأن وزير الداخلية السعودي يرأس مجلس أمناء وزراء الداخلية العرب.