في الأشهر القليلة الماضية جرت في عالمنا العربي أحداث، وحصلت تغيرات كبيرة مؤثرة وتاريخية تحت مسميات الثورة، الانقلاب، التصحيح أو حتى الانفلات، وتعالت أصوات ناشزة انتهازية للزج بدول مجلس التعاون الخليجي في معمعة الفوضى والاضطرابات، على اعتبار أن ما يحدث في بعض الدول العربية لا بد أن يطول دول الخليج من حيث إن شعوبها تعيش (مثلهم) المآسي نفسها من القمع والظلم والفقر والجهل والتهميش؛ فتظاهروا في الكويت، وخرَّبوا في البحرين.. وهكذا!! وللحقيقة والتاريخ فإن دول الخليج سبقت بثوراتها كل الدول العربية الثائرة الآن بوقت طويل، دول الخليج ثارت على الفقر والجهل والتخلف والانقسام في وقت كانت فيه بعض الدول العربية الثائرة الآن ترزح تحت الاستعمار، والفارق الكبير أن من صنع ثورات دول الخليج هم القيادات وليس الشعوب، لإيمان تلك القيادات بحق شعوبها في التقدم والرقي والأمن. من الرياض انطلق الملك عبدالعزيز آل سعود؛ ليحقق أكبر حركة توحيد يشهدها العالم العربي في العصر الحديث؛ لتصبح المملكة العربية السعودية الأهم والأكبر شأناً في محيطها العربي والإقليمي ومنارة للإسلام والمسلمين؛ وبالتالي لتصل إلى ما وصلت إليه في عهود ملوكها من التقدُّم والتطوُّر وخدمة المواطن وتلبية تطلعاته دون أن يساء إلى حريته وحقه في العيش الكريم. وفي الكويت أُسس لديمقراطية تعددية يطالب بمثلها ثوار العرب اليوم، وتوحدت الإمارات في دولة تباهي باتحادها، ويتحدث العالم عن تجربتها الاقتصادية ونهضتها العمرانية، وفي عمان وقطر جاء الأبناء بالدولة الحضارية المفعمة بالطموح والتجديد، وفي البحرين قصة انفتاح وثقافة واقتصاد متوارث، وانطلقت قيادات الخليج بأبنائها إلى عالم العلم والمعرفة والثقافة والاقتصاد، وابتعثتهم إلى أرقى الجامعات في العالم المتقدم بل وأحضرت أعرق المؤسسات العلمية والاقتصادية والطبية إلى بلدانها، وأنشأت الجامعات ومراكز البحث العلمي، وشجعت الآداب والفنون، ووطنت الصناعات البتروكيماوية، وشيدت المصانع والمستشفيات والطرق والسدود، وحلّت المياه وزرعت الصحارى ووفرت المساكن، وهي تحاول جاهدة مع كل ميزانية جديدة إضافة ما يبعث على مزيد من الرخاء والتطور لشعوبها، وأتى إليها العالم المتقدم بفكره واستثماراته وسياحته. ولأن دول الخليج كل لا يتجزأ، ولأن العرب كل العرب في محل القلب منها، فقد سخرت كل ما حباها الله من خيرات في خدمة عالمها العربي الكبير في التعليم والصحة والبناء وتوفير فرص العمل للعمالة المدربة وحتى غير المدربة، وقدمت بلايين الدولارات على شكل هبات وقروض ميسرة تسقط في أغلب الأحيان من غير مِنّة وإن تغيرت الأنظمة أو الحكومات. دور دول الخليج في نصرة قضية العرب الأساسية (قضية فلسطين)، ودعمها في المحافل الدولية من اللحظة الأولى للاحتلال الصهيوني واستضافة واحتضان القيادات الفلسطينية والفلسطينيين في داخلها ومساعدتهم في داخلهم بكل وسائل البناء والغذاء والدواء، لا يساويه أي مجهود بدءاً من الاقتطاع من رواتب مواطنيها لدعم المجهود الحربي الفلسطيني، إلى قطع النفط عن الدول المساندة لإسرائيل على حساب اقتصادها ونموها، وباركت الثورات العربية الحديثة، وعملت على حقن دماء الشعوب من تسلط الحكام في بعضها، وتحاول أن تصلح ما يمكن إصلاحه في البعض الآخر من الدول التي يمكن أن تصل فيها الأمور إلى حل سلمي بدلاً من الاقتتال والتناحر والفُرْقة. مجلس التعاون الخليجي قوي بوحدته وتلاحمه، وقادر على الحفاظ على مكتسباته ضد أي محاولة لزعزعة أمنه، وليس أدل على ذلك من سحق الفتنة الإيرانية في البحرين بكل حزم وحسم وبدون مساعدة من أحد. وللأسف إن بعض الثوار الجدد لم يستوعبوا ذلك؛ فنحن نسمع ونقرأ عبارات نكران الجميل من بعض قيادات هذه الثورات في مخالفة ساذجة للواقع، إما بسبب نشوة الثورة والانتفاخ أو محاولة استعادة ريادة مغامرات وشعارات أودت بالعرب وقضيتهم إلى ما هي عليه الآن، أو لأن زعماء الثورات السابقين عتموا عليهم لتغطية فشلهم الثوري التسلطي، ونحن أبناء دول الخليج نطلب من قادتنا أن يقفوا بحزم وصرامة في وجه كل من يحاول التقليل من كل ما قدمناه من تضحيات وتنازلات ويُسفِّه تاريخنا وحاضرنا، أو يخلوا بيننا وبينهم؛ فنحن الأقوى حُجة ولدينا العقول والوسائل التي تستطيع أن توقف كل مستهتر أو متعجرف عند حده؛ فلقد سئمنا الإساءات والتهجم والتهكم ونكران الجميل والسكوت بحجة الترفع والمحافظة على وحدة الصف العربي الذي عملوا كل شيء لتمزيقه، نجتهد للأخذ بيدهم إلى الأمام ويستميتون لجرنا إلى مستنقعاتهم. من أراد التعاون والاحترام فأهلاً به، ومن أراد التشرذم والتآمر فليفعل ذلك بعيداً عن خليجنا المستقر الآمن المتطور، وتبقى دول مجلس التعاون الخليجي عنوان الأمن والاستقرار والتقدم والمحبة والحكمة والتعاون. email:[email protected]