نحن الشعراء كذابون، ومراؤون و(أوباش) أيضاً. نكتب الغزل الجميل بحبيباتنا وصديقاتنا ورفيقاتنا في الوقت الذي تقبع فيه أجمل امرأة في الكون في بيوتاتنا العامرة، وأعني بذلك (سيدة البيت) أم العيال التي تعرف كل حماقاتنا وتغضي بكل إباء نبيل عن كل ممارساتنا التافهة، وتطوي ملثمها العالق بالعطر ولو عن جملة ناقدة، وهي تمضي لتحمي البيت من جنون الشعراء السفيهين إلى حد لا يطاق على الإطلاق وتكتم النزعات الجانحة عن الأولاد وكأن شيئاً لا يحدث!! أو لا يصير. أما بالنسبة إلي كشاعر ينطبق عليه كل ما أسلفت ورغم تجربتي الشعرية الهائلة التي امتدت إلى أربعة عقود من الزمان، لم أكتب ويا للأسى الشديد قصيدة واحدة بأم (سامي)، أم سامي التي أنجبت لي (قبيلة) من الأولاد - أي (12) ابناً وابنة، ولم أقل بها ولو بيتاً واحداً من الشعر وهي التي تحملت كل نزقي وفوضاي وشطحاتي الغريبة القاتلة. وقد صبرت - يحفظها الله - علّي، كصبر أيوب - أثابها الله على ذلك حتى تقوم القيامة. بالأمس كنت معها ذاهبين إلى أحد (السوبر ماركات) وفجأة أدرت (زر) الراديو وكان ثمة مطرب يغني هكذا وبموال جميل: (وليّة أمر قلبي وتاج راسي بعدك تحرم عليّ الأحباب) ثم أخذ المطرب يهدل بصوت بهي: (شو ها الدمع اللي سال من عيني على ثيابي طول عمرك أخت أرجال بحضوري وفي غيابي مرة مثلك مهمّة أنتي بحياتي أختي وحبيبتي وأمي بس أعيونك ترجعني ال (أيدي) اللي توجعني عم تمسكني وخاطري مكسور ومهما تحلق النسور ع بيوتها لازم ترجع) قبل أن تنتهي الأغنية النادرة لذلك المطرب المجهول، تلفتت إلى أم سامي وقبلتها في الجبين ونسيت كل السيارات التي تصرخ خلفي بالمكابح والزمارير، قلت لها: ليت أني كاتب الأغنية ثم تذكرت فجأة وقلت لها: يا سيدة القلب لعل أصدقنا نحن الشعراء (الذين في كل وادٍ يهيمون) هو (أبونا) الكبير الشاعر العظيم عبد الله بن إدريس حيث كتب قصيدته الأخيرة ب(أم العيال). ثم انخرطت أم سامي بالبكاء النبيل (!) وأعدت القبلة.