في موقف مهيب خلال الأيام الماضية تشرفنا بحضور ملحمة إنسانية ووطنية شهدها الديوان الملكي في قصر اليمامة وفي حضرة ملك العدالة عندما قامت ثماني أسر بالعفو عن قاتلي أبنائها تقرباً واحتساباً لله عزَّ وجلَّ ووجاهة خادم الحرمين الشريفين وبمناسبة شفائه وعودته إلى أرض الوطن سالماً معافى بحمد الله حيث تمثلت روعة الروح الإنسانية ونبل مواقف الرجولة والشجاعة لهؤلاء العافين حيث قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم (ما عفا رجل عن مظلمة إلا زاده الله بها عزاً) وكم كانت كلمات خادم الحرمين الشريفين معبرة ومؤثرة مما شكلت دافعاً لتعزيز قيم العفو والتسامح بين جميع أفراد المجتمع حيث قال (الله يجزاكم خير، وهذه لكم إن شاء الله في الدنيا والآخرة، وترفع من شأنكم إن شاء الله، شكراً لكم، شكراً لكم، والحمد لله رب العالمين). إن العفو والتسامح فضيلة كبيرة دعا الإسلام إليها حيث فضل العفو على القصاص بقوله تعالى: (وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير) البقرة 237، والعفو حق ثابت للعافي يؤديه اختيارياً ابتغاء للأجر والثواب من المولى عزَّ وجلَّ قال تعالى: (فمن عفا وأصلح فأجره على الله انه لا يحب الظالمين) الشورى 40، ويمثل تشجيع المجتمع على التسامح وترسيخ ثقافة العفو أحد أهم مداخل إشاعة المحبة والمودة بين الناس بما يعزز في نفس الوقت قيم الإسلام الإنسانية. إن قضايا القصاص والقتل بشكل عام ومعالجتها أصبحت تشكل ظاهرة اجتماعية مرتبطة بأبعاد اجتماعية وثقافية متنوعة مما يستدعي من المسؤولين والمهتمين والخبراء ضرورة دراسة هذه الظاهرة ومحاولة الوقوف على أسبابها واقتراح الحلول لها بصورة لا تتنافى مع قيم مجتمعنا وحمايته من ظاهرة النزاعات المؤدية إلى ارتكاب جرائم القتل ولوكانت هذه الحلول بصيغة أو بأخرى تحت إطار رسمي يكون قادراً على استيعاب التبعات المختلفة لها وخلق مزيد من أجواء التسامح والتعاضد بين مختلف فئات المجتمع، وخاصة أن ولاة الأمر حفظهم الله يحثون دائماً على العفو ويشجعونه بشتى الطرق ويتوسطون بصفتهم الشخصية للصلح والعفو والحمد لله فإن مساعيهم تجد على الدوام القبول لدى أهل القتيل الذين كثيراً يسارعون إلى العفو عن قاتل ابنهم في ساحة القصاص وعلى مرأى ومشهد من الجميع الأمر الذي يخلق جواً من الألفة والترابط بين أبناء الوطن الواحد ويكرس قيم التسامح الذي يحثنا عليها الإسلام. إن شفاعة خادم الحرمين الشريفين في قضايا القصاص ودعوته ومباركته للعفو والتسامح بين الناس يدعونا جميعاً إلى العمل على ترسيخ فضيلة العفو حتى تحكم علاقاتنا الاجتماعية في وطننا الغالي وفي ظل قيادتنا الحكيمة التي نستظل برعايتها وتوجيهاتها ومواقفها العربية الأصيلة المبنية على مبادئ الشريعة الإسلامية السمحة. - محام مختص بالقضايا الجنائية