وهكذا رحل أحد بقية الموسوعيين الكبار في بلادنا بعد حياة حافلة كريمة ملئ بخدمة التراث والمنجزات العلمية والمطارحات الفكرية والمعارك الأدبية. رحل الشيخ عبدالله بن خميس بنبرة صوته التي أدهشت أستاذه وشيخه البحيري فامتد إلى محبيه وعشاق بحثه والمنصتين لإلقائه البياني البديع عبر برنامجه الشهير «من القائل» تنوع فريد وإبداع ملفت. عمل في القضاء وتنقل في مسؤوليات التعليم الجامعي والتحق بالصحافة مبكراً فصار أحد رموزها ومؤسسيها في السعودية جنباً إلى جنب مع العلامة حمد الجاسر «رحمه الله» ولم ينتقل إلى مثواه إلا وهو يشاهد محبوبته الجزيرة وهي في غاية كمالها وتميزها. التفت إلى الجغرافيا فنهض بتاريخ الجزيرة فدون ونقب وتعقب وديانها وجبالها فكتب معاجمه الشهيرة ثم ألحقه بكتابه الفريد الأميز عن «الدرعية» مهد الدولة السعودية. إنه شاعر الفصيح والعامي الذي من خلال شخصيته أثبت أصالة اللغة وجزالة اللفظ مع ما منحه الله من قدرة على كتابة الشعر بفنونه وألوانه مع أنه دافع ونافح عن علاقة الفصيح بالعامي وأن لا خوف من أحدهما على الآخر. كان للثلوثية شرف دعوته فاستمع الناس إلى صوته الذي طالما تعلقوا به. يحفظ المعلقات بلا تردد ويستحضر المقامات وطوال القصائد في ذاكرة فريدة ولغة راقية. امتلأت دارة الثلوثية بمحبي هذا العلم فاستمع وهو في أخريات عمره إلى ثناء مريديه ومعجبيه الذين تتلمذوا عليه عبر كتبه ودراساته وبحوثه. إنه أحد أركان بلادنا العلمية والفكرية حيث ظل طوال سنينه التي قضاها شامة في جبين الثقافة. إنه صاحب مبادرات رائدة بقيت محفورة في ذاكرة الجميع فالنادي الأدبي بالرياض مدين لصاحب فكرته التي حولها إلى واقع فسعى هو الآخر إلى تكريمه وإقامة ليلة وفاء له ولإسهاماته خصوصاً مع النادي. وعضويته في المجامع اللغوية تشهد برسوخ قدمه في اللغة الأم التي أحبها حتى أصبح لا ينطق إلا بها غير مكسرة أو معوجة والعارف بحاله يشهد بغزارة علمه وجدة بحثه. لقد قصدت أن ألتقط هذا العنوان من أحد عنوانين كتبه التي كان يحسن اختيارها فكان بحق معبراً عن حياته العظيمة التي كانت تحكي قصة جهاد قلم. أكثر من خمسة وعشرين كتاباً شاهداً حياً على ما حباه الله من ملكات وقدرات وفتوحات علمية وبحثية تذكر دوماً اسم علم الجزيرة عبدالله بن خميس. رحم الله الشيخ عبدالله علم الجزيرة المتميز وأسكنه فسيح جناته.