يولد الإنسان وهو محاط بنوع من التوجس والهيبة لما لا تألفه عيناه ثم بعد ذلك يمر بمراحل عدة حتى يتأقلم مع المسموح وغير المسموح وفقاً للنظام. ولعل أول ما يمر به الإنسان في مرحلة طفولته وتربيته هي هيبته وطاعته لوالديه حسب المعطيات التي أمامه وسواء كان سبب ذلك خشية أو هيبة أو احتراماً فالمحصلة النهائية هي المحك الحقيقي لذلك التوجس، وينتقل الطفل من حضن أبويه ليدخل مرحلة التعلم ويظهر هنا منحى آخر للهيبة وهو المعلم الذي يتلقى الطالب على يديه مبادئ القراءة والكتابة والتربية بعد أن هيأ من قبل والديه سلوكاً، وتبقى تلك الهيبة داخل نفس الطالب لمعلميه أثناء دراسته بل قد تمتد خارج أسوار المدرسة لتشمل الأسواق والأحياء ومحاولة الابتعاد قدر الإمكان حين مرور المعلم، ثم بعد ذلك ينتقل المشهد ليصل إلى أعلى مراتب الانضباط حين التعامل مع رجال الأمن (الشرطة) نتيجة تطبيق الأنظمة بجميع أشكالها فرجل الأمن هو المؤتمن على حفظ حقوق الناس وفض المنازعات بينهم وإحالة المتجاوز للجهات المختصة لردعهم والأخذ على يدي مخالف الأنظمة. تلك صورة موجزة عن جيل عاش حياة ملؤها احترام الإنسان لنفسه وعدم تعديه لخطوط حمراء لا يمكن تجاوزها، قدوته في ذلك ما يراه أمامه من تصرفات الكثيرين وامتثالهم للأوامر والنواهي. ولأن مساحات الحرية التي تنادي بها جمعيات حقوق الإنسان قد تخفي بعض ملامح تلك الهيبة وليس بالضرورة استعمال الشدة التي نشأت عليها الأجيال سواء كان ذلك نتيجة هيبة والتزام أو كان مبعثه أسباب أخرى، أقول إن هذه الملامح بدأت وكأنما يعلوها بعض الفتور وذلك نتيجة لبعض المشاهد التي بدأت تلوح في الأفق من انتقادات واسعة لمطبقي النظام والاستخفاف بأعمالهم حتى وصل الأمر إلى استخدام البعض لفرض نظام المجادلة بعد أن كان بواسطة اللسان ليتجاوز ذلك إلى استخدام اليد ومقاومة السلطة والتدخل في أمور هي أعمال مؤسساتية لا شأن للأفراد بها، وإن كان ثمة اعتراض فمن المفروض أن يتم من خلال القنوات الرسمية ويصدق ذلك ما نراه على الساحات الرياضية من تجاوزات على الملاعب الرياضية وأمام الجماهير المحتشدة ومن خلال القنوات المتعددة وأمام الأعمار المختلفة من خلال ذلك النقل، فقد أصبحنا نرى الكير من الخروقات المتمثلة في محاصرة الإداريين واللاعبين لحكام المباراة ومحاولة الاعتداء عليهم - مع أنهم سلطة مخولة- بل يتجاوز ذلك لمقاولة رجال الأمن -وهذه الظاهرة خطيرة جداً- إن لم يتم تداركها- فاللاعبون والرؤساء قد يكونون قدوة للجيل الشاب المتحمس الرياضي الذي قد يمارس ذلك من خلال تواجده في الشارع. إن حفظ الهيبة للمؤسسات النظامية هي حفظ لنظام دولة بأكمله لذلك لابد أن يتم محاسبة من يتجاوز ذلك والأخذ على يده، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن). * مدير عام المهرجان الوطني للتراث والثقافة - [email protected]