قبيل 11 مارس، أو ما أسموه (يوم الغضب السعودي)، كنت أعتقد أن ثمة مظاهرات ستخرج؛ فنحن في زمن المظاهرات، وهذه الموضة لم يسلم منها ومن تبعاتها دولة من دول المنطقة، وكنت أظن كغيري من السعوديين أنها لن تكون ذات أعداد كبيرة. غير أن ما فاجأني فعلاً، وفاجأ كثير من المراقبين خارج المملكة أيضاً، هذا الفشل الذريع بكل ما تحمله الكلمة من معنى لدعاة التظاهر؛ فلم يخرج غير مجموعة من (الطائفيين) في المنطقة الشرقية، الذين لا قيمة لهم، فضلاً عن أن عددهم بالكثير لا يتجاوز 30 فرداً؛ وهؤلاء - أيضاً - لم يلبثوا أن انفضوا، وأصبح يوم الغضب الموعود في نهاية المطاف (فاشوشاً)، وأثبت الدعاة لمثل هذه المظاهرة - من حيث لا يقصدون طبعاً - أن النظام الحاكم في المملكة، ما زال قوياً، صلباً، وضارباً بجذور شرعيته في أعماق هذه الأرض، إلى درجة أن كل هذا الحشد، والتحريض، والفتاوى المغرضة؛ وهذه التعبئة التي بذلتها فضائية (العالم) الإيرانية للدعوة إلى هذه المظاهرة، أثبتت العكس تماماً، وبرهنت على أن (الموجة) التي عصفت بالأنظمة الهشة، تحطّمت عندما وصلت إلى الصخرة السعودية، وأن هذه الدولة الضاربة جذورها في أعماق التاريخ، والتي بناها أهلها بدمائهم وسواعدهم حجراً حجراً، ولم يُحدد حدودها مستعمر مثل من عصفت بهم رياح المظاهرات والقلاقل، أقوى مما كانوا يظنون؛ فتجددت شرعيتها، وبالدليل القاطع، الذي لا يرفضه إلا مكابر. ثلاثة كانوا على رأس الدعوة إلى هذه المظاهرة، واعتبروها فرصتهم التاريخية للكيد لهذه البلاد، وتصفية حساباتهم مع وطنهم، وهم الفقيه والمسعري المنشقان السعوديان في لندن، أما الثالث الذي بحث، وأصل، وحرض، وقدّم نفسه على أنه (منظر) المظاهرة، وحاول بشتى الطرق أن يدفع الناس إلى التظاهر، فهو (ابن فنيسان سعود)، الذي وقف مع الفقيه والمسعري وقناة العالم الإيرانية في ذات الخندق، ولفَّ ودار، وانتقى من الأدلة، واختار من القياسات ما يوافق هواه، ويلبي أحقاده، فخرج من بحثه (الفقهي) بما يدعو إلى جواز التظاهر. ابن فنيسان طبعاً وظف (الفتوى) لخدمة هدف سياسي محض، لأسباب لا تخفى على من يتابع التيارات الفكرية في البلاد، وإلى من ينتمي هذا الرجل فكرياً، وإلا فإن ما جرى في ليبيا، وكيف تحولت تلك المظاهرات من سلمية إلى دموية، يجعل أي عاقل، ناهيك عن من يقدم نفسه كفقيه، أو أكاديمي، أن يتوقف؛ ففقه (المآلات) الذي يعرفه حتى صغار العلم، يجعل من بحثه الكيدي المفبرك مجرد قنبلة موقوتة تبحث عن جاهل يفجرها؛ ولا أخاله يجهل ذلك، غير أن وراء الأكمة ما وراءها. أما سعد الفقيه الطبيب الذي قرر أن يكون فقيهاً، ومن ثم معارضاً سياسياً، فينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين المصرية، ويدعي أنه (سلفي) فقط لذر الرماد في العيون، ولاكتساب شرعية ليمرر خطابه الثوري إلى البسطاء والسذج من السعوديين، الذين لا يدركون الفرق بين الألف وكوز الذرة كما يقول المصريون؛ هذا الرجل بالمختصر المفيد، وباللغة العامية (مكشوح)، ما طرق باباً، وما تبنى خطاباً، وما تحالف مع أحد، إلا وفشل، وانتهى تحالفه إلى خصومات وخلافات واتهامات تثير من الضحك ما جعله مسخرة يتندر عليها حتى الأطفال. ولعل خلافاته مع رفيق دربه المسعري على موجودات مكتبهما في لندن، ناهيك عن الاتهامات غير الأخلاقية التي وجهها أحدهما إلى الآخر، تعطي صورة كافية على تفاهة وسخف بل وحمق الاثنين معاً. بقي أن أقول: قل لي من يعارضك أخبرك من أنت؛ وأبارك - بالمناسبة - لابن فنيسان سعود حليفيه الجديدين الفقيه والمسعري، وإعجاب قناة العالم الإيرانية ببحثه الفقهي الرصين؛ ولا أقول إلا: (الله يهني سعيد بسعيدة)! إلى اللقاء.