في إحدى المحاضرات في الجامعة كان الحديث مع بعض الطلاب يدور حول شدة الحساسية من بعض المواقف والكلمات، وأذكر أنني قلت لهم: إنه يحسن بالإنسان أن يكون عنده سلة محذوفات في ذاكرته يرمي بها زبالات يومه مما مر به من كلمات جارحة، أو مواقف مُخفقة، أو نظرات مُثِبِّطة، أو خواطر سيئة، أو ما شابه ذلك وما جرى مجراه. وبعد فترة جرى اتصال بيني وبين أحد الطلاب وقال: لقد جربت سلة المحذوفات، وتغير كثير من أحوالي. فقلت له: وكيف ذلك؟ فقال: لقد كنت شديدَ الحساسية، مرهفَ الحس، لا أكاد أحتمل أدنى كلمة تقال في حقي؛ بل إن الأمر وصل بي إلى حد أنني لا أتحمل مدحاً ولا قدحاً؛ فالذي يمدحني، ويثني عليَّ أخشى أن يصيبني بعينه. وفي الوقت نفسه لا أطيق الذي ينتقدني، ويقدح بي، فلا أفرح بالثناء الصادق، ولا أفيد من النقد الهادف. كما أنني لا أكاد أنسى ما يمر بي من مواقف وأخطاء تصدر مني أو في حقي؛ فإذا وقعت في خطأ أفرطت في جلد ذاتي، وإذا أخطأ أحد في حقي بالغت في تضخيم الخطأ واجتراره؛ فصارت حياتي جحيماً لا يطاق، وصرت كَلاً على نفسي وعلى من حولي. ولما طرق سمعي أول مرة مصطلح (سلة المحذوفات) حاولت الأخذ به، وحرصت على ألا أُحَمِّل نفسي فوق طاقتها، واستحضرت بأنني لست وحدي في هذا المجال، وأن كلَّ أحد من الناس معرض لكل وارد، وصرت إذا سمعت كلمة مؤذية أو هجم عليَّ خاطر سيء، أو تصرفت تصرفاً خاطئاً - أحاول تناسيه، وأصرف همتي فيما يعنيني من عملي الحاضر أو المستقبل، فأفدت من ذلك كثيراً، وخففت عن عاتقي أثقالاً كان ينوء بحملها. فهذه تجربة ذلك الطالب مع سلة المحذوفات التي أضافها إلى ذاكرته، وصار يرمي فيها كلَّ أمر يصده عن الترقي في مدارج الكمالات، ويقوده إلى التعاسة واستدعاء الفاسد من الأوهام والخيالات. * جامعة القصيم